الطاعة يفضل على من يعمل بالاختيار مع تمكن الشهوات فيه ، والحاجات التي تغلب صاحبها وتمنعه عن العمل بالطاعة.
أو يقول : فضلهم بالجوهر والأصل ، فلا يجوز أن يكون لأحد بالجوهر نفسه فضل على غير ذلك الجوهر ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يذكر فضل شيء بالجوهر إلا مقرونا بالأعمال الصالحة الطيبة ؛ كقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) وغيره ، وقوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، وقوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ونحوه ، لم يفضل أحدا بالجوهر على أحد ، ولكن إنما فضله بالأعمال الصالحة ؛ لذلك قلنا : إن قوله يخرج على التناقض.
وتأويل قوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) عندنا ظاهر ، ولو شاء لهداهم جميعا ووفقهم للطاعة وأرشدهم لذلك ، وهو كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ ... فِضَّةٍ) [الزخرف : ٣٣] الآية ، فإذا كان الميل إلى الكفر لمكان ما جعل لهم من الفضة والزينة ، فإذا كان ذلك للمؤمنين آمنوا ، ثم لم يجعل كذلك ؛ دل هذا على أن قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) هو الأمر والرضا ، أو ذكروا على الاستهزاء ؛ حيث قال : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
والمعتزلة يقولون : المشيئة ـ هاهنا ـ مشيئة قسر وقهر ، وقد ذكرنا أنه لا يكون في حال القهر إيمان ، إنما يكون في حال الاختيار ، والمشيئة مشيئة الاختيار ، ولا يحتمل مشيئة الخلقة ؛ لأن كل واحد بشهادة الخلقة مؤمن ؛ فدل أن التأويل ما ذكر».
فالنص يدل دلالة واضحة على تبني الماتريدي الدفاع عن عقيدة أهل السنة ، التي تقول بأن أفعال العباد اختيارية ليس فيها إجبار ، يقول الأسفرائيني :
أفعالنا مخلوقة لله |
|
لكنها كسب لنا يا لاهي |
وكل ما يفعله العباد |
|
من طاعة أو ضدها مراد |
لربنا من غير ما اضطرار |
|
منه لنا فافهم ولا تماري (١) |
فأهل السنة والجماعة أثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة ، وأن أفعالهم تنسب إليهم على وجه الحقيقة لا على جهة المجاز ، وأن الله خالقهم وخالق أفعالهم.
هذا ، وقد يصرح الماتريدي بنسبة الآراء الاعتقادية إلى أصحابها ، دون تعليق منه ،
__________________
(١) عبد العزيز السلمان : الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الوسطية (دار الدعوة السلفية ، الإسكندرية) (ص ٢٩١).