ومن ذلك ما ذكره عند تفسير قول الله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨] حيث قال : «تعلق بظاهر هذه الآية : الخوارج والمعتزلة.
أما المعتزلة فإنهم قالوا : إنهم لما طلبوا الرد ولم يردهم لما علم أنه لو ردهم لعادوا إلى التكذيب ثانيا ، ولو علم منهم أنهم لا يعودون لكان يردهم ؛ فدل أنه إنما لم يردهم ؛ لما علمه منهم أنهم يعودون إلى ما كانوا من قبل ؛ فيستدلون بظاهر هذه الآية على أن الله لا يفعل بالعبيد إلا الأصلح لهم في الدين ، وقالوا : لو علم منهم الإيمان لكان لا يجوز له ألا يردهم ، ومن قولهم : إنه إذا علم من كافر أنه يؤمن في آخر عمره لم يجز له أن يميته ، وغير ذلك من المخاييل والأباطيل.
وقالت الخوارج : أخبر أنه لو ردهم لعادوا لما نهوا عنه ، وسماهم بالقول كاذبين ، بما في علمه أنهم لا يفعلون بما يقولون ، فعلى ذلك كل صاحب كبيرة إذا كان في اعتقاده الذي أظهره أنه لا يأتي بها ، فإذا أتى بها يصير فيما اعتقده ألا يأتي بها كاذبا ؛ ولذلك يجعلون أصحاب الكبائر كذبة في القول الأول أنهم لا يأتون بها ، وعلى ذلك كانت المبايعة بقوله عزوجل : (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ) [الممتحنة : ١٢] الآية ، فإذا سرقن ، صرن كاذبات في البيعة ، كما جعل من ذكر كاذبا في الوعد إذا أخلف ، وعلى ذلك يجعلونه كافرا».
سادسا : علم الفقه :
علمنا من ترجمة الماتريدي أنه تتلمذ بأبي حنيفة النعمان ، وإن لم يلقه ، فهو قد تتلمذ عليه من خلال مذهبه الفقهي المعروف ، فقد قرأ ما كتب أبو حنيفة وما كتب تلاميذه ونقلوه عنه.
ولم يكن الماتريدي ناقلا تابعا للمذهب الحنفي وحسب ، بل كان مجددا ، فهو قد أخذ من المذهب الحنفي أسلوبه في التفكير العقلي ، واعتماده الرأي في التفسير والفقه والعقيدة ، لكن دون إهمال للنص أو افتئات عليه ، بل ـ كما سبق ـ وازن الماتريدي بين النقل والعقل موازنة جعلته من العلماء أصحاب الآراء الصائبة في كثير من الأحوال.
ونكاد عند مطالعة تفسير الماتريدي لا نجد من أعلام الفقه من يذكر باسمه سوى أبي حنيفة النعمان ، ولعل هذا يؤكد الصلة الوثيقة التي أشرنا إليها منذ برهة بين الماتريدي وأبي حنيفة ، وتلمذة الأول على الثاني.
والماتريدي حين تعرض له آية من آيات الأحكام لا ينسى أن يقف أمامها يستجلي