والثانى : عن الأحوال التى ترد فى ذلك. لكنه إذا كان ذلك على اعتقاد المذهب لم يجز الشك فيه ؛ إذ المذاهب لا تعتقد لأوقات ، إنما تعتقد للأبد ؛ لذلك لم يجز الثناء فيه فى الأبد. وبالله التوفيق.
ثم قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يتوجه وجهين :
أحدهما : إلى التوحيد ، وكذا روى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : «كلّ عبادة فى القرآن فهو توحيد».
والوجه الآخر : أن يكون على كل طاعة أن يعبد الله بها ، وأصلها يرجع إلى واحد ؛ لما على العبد أن يوحد الله ـ تعالى ـ فى كل عبادة لا يشرك فيها أحدا ، بل يخلصها فيكون موحّدا لله تعالى بالعبادة والدين جميعا.
وعلى ذلك قطع الطمع ، والخوف ، والحوائج كلها عن الخلق.
وتوجيه ذلك إلى الله تعالى بقوله : (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر : ١٥] وعلى ذلك المؤمن لا يطمع فى الحقيقة بأحد غير الله ، ولا يرفع إليه الحوائج ، ولا يخاف إلا من الوجه الذى يخشى أن الله جعله سببا لوصول بلاء من بلاياه إليه على يديه ؛ فعلى ذلك يخافه ، أو يرجو أن يكون الله تعالى جعل سبب ما دفعه إليه على يديه ، فبذلك يرجو ويطمع ، فيكون ذلك من الضّالّين ، فيكون فى ذلك التعوّذ من جميع أنواع الذنوب ، والاستهداء إلى كل أنواع البر.
وقوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
فذلك طلب المعونة من الله تعالى على قضاء جميع حوائجه دينا ودنيا.
ويحتمل أن يكون هو على أثر الفزع إلى الله بقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) على طلب التوفيق لما أمر به ، والعصمة عما حذّره عنه ، وكذلك الأمر البيّن فى الخلق من طلب التوفيق ، والمعونة من الله ، والعصمة عن المنهى عنه جرت به سنة الأخيار. والله الموفق.
__________________
ـ وفى الباب عن أبى ذر :
أخرجه البخارى (٥ / ٤٤٦) كتاب العتق ، باب أى الرقاب أفضل (٢٥١٨) ، ومسلم (١ / ٨٨) ، كتاب الإيمان باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (١٣٦ / ٨٤) ، والنسائى (٦ / ١٩) ، كتاب الجهاد ، باب ما يعدل الجهاد فى سبيل الله.
وعن أبى هريرة :
أخرجه البخارى (٤ / ١٥٦) كتاب الحج ، باب فضل الحج المبرور (١٥١٩) ومسلم (١٣٥ / ٨٣) ، والنسائى (٦ / ١٩).
(١) أخرجه ابن جرير (١ / ٩٩) (١٧١) عنه بنحوه ، وذكره السيوطى فى الدر (١ / ٣٩) وزاد نسبته لابن أبى حاتم.