(الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ) [أول سورة البقرة] ، (ذلِكَ الْكِتابُ) هو تفسير (الم) ، و (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [أول سورة آل عمران] ، و (المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [أول سورة الأعراف] ، و (الر كِتابٌ) [أول سورة هود ، وإبراهيم] ، و (الم (١) تِلْكَ آياتُ) [أول سورة لقمان] كلّ ملحق بها فهو تفسيرها.
وقيل (١) : إن فيها بيان غاية ملك هذه الأمة من حساب الجمّل ، ولكنهم عدوا بعضها وتركوا البعض.
وقيل (٢) : إنه من المتشابه الذى لم يطلع الله خلقه علم ذلك ، ولله أن يمتحن عباده بما شاء من المحن.
وقيل : إنهم كانوا لا يستمعون لهذا القرآن ؛ كقولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] ، وكقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥] فأنزل الله عزوجل هذه الحروف المعجمة ليستمعوا إليها فيلزمهم الحجة.
والأصل فى الحروف المقطعة : أنه يجوز أن تكون على القسم بها على ما ذكرنا.
وأريد بالقدر الذى ذكر كلية الحروف بما كان من شأن العرب القسم بالذى جلّ قدره ، وعظم خطره. وهى مما بها قوام الدارين ، وبها يتصل إلى المنافع أجمع. مع ما دلّت على نعمتين عظيمتين ـ اللسان والسمع ـ وهما مجرى كل أنواع الحكمة ، فأقسم بها على معنى إضمار ربّها ، أو على ما أجلّ قدرها فى أعين الخلق ، فيقسم بها ، ولله ذلك ، ولا قوة إلا بالله.
ويحتمل : أن يكون بمعنى الرمز والتضمين فى كل حرف منها أمرا جليلا يعظم خطره على ما عند الناس فى أمر حساب الجمل. ثم يخرّج على الرمز بها عن أسماء الله وصفاته ونعمه على خلقه ، أو على بيان منتهى هذه الأمة ، أو عدد أئمتها ، وملوكها ، والبقاع التى ينتهى أمرها ، وذلك هو فى نهاية الإيجاز ، بل بالاكتفاء بالرمز عن الكلام ، وبما هو بمعنى من الإشارة فى الاكتفاء بها عن البسط ، ولا قوة إلا بالله ؛ ليعلم الخلائق قدرة الله ، وأنّ له أن يضمن ما شاء فيما شاء على ما عليه أمر الخلائق من لطيف الأشياء التى كادت العقول وأسباب الإدراك تقصر عنها ، وكنهها التى يدركها كل أحد ، وبين الأمرين ، فعلى ذلك أمر تركيب الكلام ، ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) فى هذا المعنى ذكر السيوطى فى الدر المنثور (١ / ٥٥) حديثا عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله ، وعزاه لابن إسحاق والبخارى فى تاريخه وابن جرير بسند ضعيف.
(٢) ذكره القرطبى فى تفسيره (١ / ١٠٨).