وقوله : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
الأول : أى : لا يشعرون أن حاصل ذلك لا يرجع إليهم.
والثانى : لا يشعرون أن ما كانوا يفعلون الفساد.
فإن كان هذا فهو ينقض قول من يقول : بأن الحجة لا تلزم إلا بالمعرفة ، وهو قول الناس ؛ لأنه عزوجل أخبر بفساد صنيعهم ، وإن لم يشعروا به.
وهو كقوله أيضا : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢] : أخبر بحبط الأعمال وإن كانوا لا يعلمون.
وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ).
تحتمل الآية : أن تكون فى المنافقين ، وتحتمل : فى أهل الكتاب.
فإن كانت فى المنافقين فكأن قوله : آمنوا يا أهل النفاق فى السر والعلانية ، كما آمن أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فى السر والعلانية جميعا ، وهو كقوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) [البقرة : ١٣٧].
وإن كان فى أهل الكتاب ففيه الأمر بالإيمان الذى هو إيمان ، وهو التصديق. والإيمان عندنا هو التصديق بالقلب ؛ دليله قول جميع أهل التأويل والأدب أنهم فسروا (آمَنُوا) : صدقوا فى جميع القرآن.
وقوله : (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) الآية.
السفه : هو ضد الحكمة ، وهو العمل بالجهل على العلم أنه يبطل ، والجهل هو ضد العلم. والسفه هو الشتم ؛ يقول الرجل لآخر : يا سفيه.
وقوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ).
يقول بعض المتكلمين : إن هذا شتم من الله لهم ، جوابا على المؤمنين ، ويستجيزون ذلك على الجواب ، وإن لم يجز على الابتداء ، كالمكر ، والكيد ، والاستهزاء ، والخداع ونحوه ، فعلى ذلك هذا.
وأما عندنا فهو غير جائز ؛ لأن من يشتم آخر يذم عليه ، وهو عمل السفهاء. فأخبر عزوجل : أنهم هم الذين يعملون بالجهل على علمهم أن دينهم الذى يدينون به باطل ، وأن الدين الذى يدين به المؤمنون حق.
وقوله : (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ).
قيل فيه بوجهين :
أحدهما : لا يعلمون أنهم هم السفهاء.