وقال أبو بكر الأصمّ (١) : مثل من يظهر الإيمان فيما يتزين بنوره فى الناس ، مثل مستوقد النار فيما يستضىء حول النار بنورها ، ثم يذهب الله نوره فى الآخرة كما أذهب هو فى السر ، وكذلك أذهب الله نور المستوقد ؛ فيذهب به التزين بالنور حول النار.
قال : وقيل : ذا لعن.
كما يقال : أذهب الله نوره ، أى : الذى كان يظهره ؛ فيبقى المنافق فى ظلمات الآخرة ، والمستوقد فى ظلمات العمى والليل.
ثم قال : جعل الدعاء إلى الإسلام كالصيّب ، وما فيه من الجهاد كظلمة الليل ، وما فيه من الغنيمة كالبرق ، وجعل أصابعهم فى الآذان من سماع ما فى الإسلام من الشدائد نحو جعل ذلك من الصواعق (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ).
أى : ما فى الإسلام من الغنيمة يدعوهم إليه.
وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا وصدوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولو شاء الله لذهب بما ذكر ، أى : أصمهم وأعماهم.
وروى عن الضحاك (٢) عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : «أن ضوء البرق والنار ليسا بدائمين» ؛ فشبه به إيمان المنافق أنه عن سريع يزول.
وقال القتبى (٣) : كان المنافق فى ظلمة الكفر فاهتدى بما أعطى من النور ، كمستوقد
__________________
(١) شيخ المعتزلة ، أبو بكر الأصم ، كان ثمامة بن أشرس يتغالى فيه ، ويطنب فى وصفه ، وكان دينا وقورا ، صبورا على الفقر ، منقبضا عن الدولة ، إلا أنه كان فيه ميل إلى الإمام على.
وله تفسير ، وكتاب (خلق القرآن) ، وكتاب الحجة والرسل ، وكتاب الحركات ، والرد على الملحدة ، والرد على المجوس ، والأسماء الحسنى ، وافتراق الأمة ، وأشياء عدة. مات سنة إحدى ومائتين.
ينظر : سير أعلام النبلاء (٩ / ٤٠٢) ، والفهرست (٢١٤) ، وتاريخ بغداد (٨ / ٤٠١) ، وميزان الاعتدال (٢ / ٥٨) ، والنجوم الزاهرة (٢ / ١٧٩) ، وشذرات الذهب (٢ / ١٣).
(٢) هو : الضحاك بن مزاحم الهلالى مولاهم الخراسانى يكنى أبا القاسم. روى عن أبى هريرة ، وابن عباس ، وأبى سعيد ، وابن عمر ، وزيد بن أرقم ، وأنس. وروى عنه عبد الرحمن بن عوسجة ، وعبد العزيز بن أبى رواد وقرة بن خالد وخلق. قال سعيد بن جبير : لم يلق ابن عباس. ووثقه أحمد وابن معين ، وأبو زرعة. وقال ابن حبان : فى جميع ما روى نظر ، إنما اشتهر بالتفسير. قال أبو نعيم : مات سنة خمس ومائة ينظر : الخلاصة (٢ / ٥) (٣١٤٦).
(٣) العلامة الكبير ، ذو الفنون ، أبو محمد ، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى ، وقيل : المروزى ، الكاتب ، صاحب التصانيف. نزل بغداد ، وصنف وجمع ، وبعد صيته. حدث عن : إسحاق بن راهويه ، ومحمد بن زياد بن عبيد الله الزيادى ، وزياد بن يحيى الحسانى ، وأبى حاتم السجستانى ، وطائفة. حدث عنه : ابنه القاضى أحمد بن عبد الله ، بديار مصر ، وعبيد الله السكرى ، وعبيد الله ابن أحمد بن بكر ، وعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى ، وغيرهم. قال أبو بكر الخطيب : كان ـ