جعل العبادة عبارة عن التوحيد ؛ لأن العبادة التى هى لله لا تكون ولا تخلص له إلا بالتوحيد. ويقال : (اعْبُدُوا) ؛ أى : أطيعوا له ؛ أى : اجعلوا عبادتكم لله ، لا تعبدوا غيره ، فى كلا التأويلين يرجع إلى الكفرة.
ويقال : (اعْبُدُوا) ؛ أى : أطيعوا له.
والعبادة جعل العبد كلّيته لله قولا ، وعملا ، وعقدا ، وكذلك التوحيد ، والإسلام.
والطاعة ترجع إلى الائتمار ؛ لأنه يجوز أن يطاع غير الله ، ولا يجوز أن يعبد غير الله ؛ لأن كل من عمل بأمر آخر فقد أطاعه ؛ كقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [المائدة : ٩٢] ولا كل من عمل بأمر آخر فهو عابد له ، وبالله نستعين.
ثم بين الذى أمر بالتوحيد إياه وبالعبادة له خالصا ، فقال : (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
والذين تعبدونهم لم يخلقوكم ، ولا خلقوا الذين من قبلكم ، فكيف تعبدونهم دون الذى خلقكم؟! وبالله التوفيق.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
يحتمل وجهين :
يحتمل : تتقون المعاصى ، والمناهى ، والمحارم التى حرم الله عليكم. فإذا كان هذا هو المراد فذلك راجع إلى المؤمنين.
ويحتمل قوله : (تَتَّقُونَ) الشرك وعبادة غير الله ، فذلك راجع إلى الكفرة.
قال الشيخ : الأحسن فى الأمر بالتقوى والتوحيد أن يجعل عامّا ، وفى الخبر عن التقوى خاصّا.
(لَعَلَّكُمْ) أى : كى تتقوا.
وقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ).
بيّن اتقاء (١) الذى أمر بالتوحيد له ، وتوجيه العبادة إليه ، وإخلاص النية له ؛ فقال : الذى فرش لكم الأرض لتنتفعوا بها ، وتقضوا حوائجكم فيها ، من أنواع المنافع عليها ، واتخاذ المستقر والمسكن فيها.
(وَالسَّماءَ بِناءً) أى : رفع السماء بناء.
والسماء : كل ما علا وارتفع ، كما يقال لسقف البيت : سماء ؛ لارتفاعه.
__________________
(١) فى أ : أنه.