التشابه.
فى الحقيقة إنها تحتمل وجوها :
أحدها : أن نصفه بالذى جاء به التنزيل على ما جاء ، ونعلم أنه لا يشبه على ما ذكر من الفعل فيه بغيره ؛ لأنك بالجملة تعتقد أن الله ليس كمثله شىء ، وأنه لا يجوز أن يكون له مثل فى شىء ؛ إذ لا يوجد حدثه فيه ، أو قدم ذلك الشىء من الوجه الذى أشبه الله.
وذلك مدفوع بالعقل والسمع جميعا ، مع ما لم يجز أن يقدر الصانع عند الوصف بالفعل كغيره ، وأنه حى ، قدير ، سميع ، بصير ، نفى ما عليه أمر الخلق لما يصير بذلك أحد الخلائق.
وإذا بطل هذا بطل التشابه وانتفى ، ولزم أمر السمع والتنزيل على ما أراد الله. وبالله التوفيق.
والثانى : أن يمكن فيه معان تخرج الكلام مخرج الاختصار والاكتفاء بمواضع إفهام فى تلك المواضع على إتمام البيان ، وذلك نحو قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) [الفجر : ٢٢] أى : بالملك. وذلك كقوله : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ ...) [المائدة : ٢٤] أى : بربك (فَقاتِلا) ؛ إذ معلوم أنّه يقاتل بربه ؛ ففهم منه ذلك.
وكذلك معلوم أن الملائكة يأتون ، فكأنه بين ذلك.
يدل عليه قوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] ، وكذلك (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ...) الآية [البقرة : ٢١٠].
ومما يوضح أنه لم يكن أحد اعتقد أو تصوّر فى وهمه النظر لإتيان الربّ ومجيئه ، ولا كان بنزوله وعد بنظر. وكان بنزول الملائكة ؛ كقوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى ...) الآية [الفرقان : ٢٢] ، وقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨]. فيما ذكرنا عظيم أمرهم ، وجليل شأنهم ، ومثله فى قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] مع ما له وجهان :
أحدهما : أن يكون معنى العرش الملك والاستواء التام الذى لا يوصف بنقصان فى ملك ، أو الاستيلاء عليه ، وألا سلطان لغيره ، ولا تدبير لأحد فيه.
والثانى : أن يكون العرش أعلى الخلق وأرفعه.
__________________
ـ بخلاف إمامة معاوية لكن يجب طاعته ، وقالوا الإيمان قول الذرية فى الأزل (بلى) وهو باق فى الكل على السوية إلا المرتدين ، وإيمان المنافق كإيمان الأنبياء كذا فى شرح المواقف.
ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون (٤ / ١٩٤ ، ١٩٥) ، وشرح المواقف (٤٩١ ، ٤٩٢).