وفى بيان حكمة خلق الخلق فى الدنيا للفناء ، والإحياء للآخرة ـ حكمة ، وفى إنكارها ذهاب الحكمة.
وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ).
قيل فيه بوجوه :
قيل : استوى إلى الدخان ؛ كقوله : (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١].
وقيل (١) : استوى : تمّ ؛ كقوله : (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) [الأحقاف : ١٥] أى : تمّ.
وقيل (٢) : استوى : أى : استولى.
والأصل عندنا فى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] و (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ، وغيرها من الآيات من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ ...) الآية [الفجر : ٢٢] ، وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ...) الآية [البقرة : ٢١٠] من الآيات التى ظنت المشبّهة (٣) أن فيها تحقيق وصف الله تعالى بما يستحق كثير من الخلق الوصف به على
__________________
(١) قاله ابن جرير وأخرجه عن مجاهد بنحوه (٢٧٢٤٢ ، ٢٧٢٤٣ ، ٢٧٢٤٤).
(٢) يأتى فى تفسير سورة طه.
(٣) المشبهة : على صيغة اسم الفاعل من التشبيه ، وهو يطلق على فرقة من كبار الفرق الإسلامية ، شبهوا الله بالمخلوقات ومثلوه بالحادثات ، ولأجل ذلك جعلناهم فرقة واحدة قائلة بالتشبيه وإن اختلفوا فى طرقه :
فمنهم مشبهة غلاة الشيعة كالسبئية والبيانية والمغيرية والهشامية ، وغيرهم القائلين بالتجسيم والحركة والانتقال والحلول فى الأجسام ونحو ذلك.
ومنهم مشبهة الحشوية كمضر وكهمس المشبهة ، والهجيمى ، فقالوا : هو جسم لا كالأجسام ، وهو مركب من لحم ودم لا كاللحوم والدماء ، وله الأعضاء والجوارح ، وتجوز عليه الملامسة والمصافحة والمعانقة للمخلصين ، حتى نقل عن أحدهم أنه قال : «أعفونى عن اللحية والفرج وسلونى عما وراءه».
ومنهم مشبهة الكرامية ، وقيل فيه : الفقه فقه أبى حنيفة وحده ، والدين دين محمد بن كرام.
وأقوالهم فى التشبيه متعددة لا تنتهى ، فاقتصرنا على ما قاله زعيمهم ، وهو أن الله على العرش من جهة العلو مماس له من الصفحة العليا ، ويجوز عليه الحركة والنزول ، واختلفوا أيملأ العرش ، أم لا يملؤه بل يكون على بعضه ، وقال بعضهم : ليس هو على العرش بل محاذ له ، واختلفوا : أببعد متناه أو غيره.
ومنهم من أطلق عليه لفظ الجسم ، ثم اختلفوا هل هو متناه من الجهات كلها أو من جهة التحت أو غير متناه فى جميع الجهات ، وقالوا : تحل الحوادث فى ذاته إنما يقدر عليها دون الخارجة عن ذاته ، ويجب على الله أن يكون أول خلقه حيا يصح منه الاستدلال.
وقالوا : النبوة والرسالة صفتان قائمتان بذات الرسول سوى الوحى والمعجزة والعصمة وصاحب تلك الصفة رسول من غير إرسال ولا يجوز إرسال غيره ، وهو حينئذ ، أى حين إذ أرسل ، مرسل ، وكل مرسل رسول بلا عكس كلى ، ويجوز عزل المرسل دون الرسول وليس من الحكمة الاقتصار على إرسال رسول واحد ، وجوزوا إمامين فى عصر كعلى ومعاوية إلا أن إمامة على على وفق السنة ـ