باختيارهم الكفر ـ بين أطباق النار ؛ فذلك هو الخسران المبين.
وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
يحتمل وجوها :
«كيف» : من أين ظهرت لكم الحجة أن تعبدوا من دون الله من الأصنام وغيرها أنه حق ، ولم يظهر لكم منها الإنشاء بعد الموت ، ولا الإماتة بعد الإحياء؟
وقيل (١) : كيف تكفرون بالبعث بعد الموت (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) يعنى نطفا (فَأَحْياكُمْ) ، وأنتم لا تنكرون إنشاء الأول فكيف تنكرون البعث والإحياء بعد الموت؟
وقيل : كيف تكفرون بالإحياء والبعث بعد الموت ، وفى العقل أن خلق الخلق للإفناء والإماتة من غير قصد العاقبة عبث ولعب ؛ لأن كل بان بنى للنقض فهو عابث ، وكذلك كل ساع فيما لا عاقبة له فهو عابث هازل ، فكيف تجعلون فعله عزوجل ؛ إذ لو لم يجعل للخلق دارا للجزاء ، والعقاب كان فى خلقه إياهم عابثا هازلا خارجا من الحكمة؟! تعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
أى : تعلمون أنكم ترجعون إليه ، وكذلك المصير والمآب.
والثانى : ترجعون إلى ما أعدّ لكم من العذاب. احتج عليهم بما أخبرهم الله أنه أنشأهم بعد الموتة الأولى ، وأنه يبعثهم بعد الموتة الأخرى (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) كأنه يقول : ثم اعلموا أنكم إليه ترجعون.
قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
قيل : إنه صلة قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) أى : كيف تكفرون بالذى خلق لكم ما فى الأرض ما يدلكم على وحدانيته ؛ لأنه ليس شىء من الأرض إلا وفيه دلالة وحدانيته.
ويحتمل : كيف تكفرون بالذى خلق لكم ما فى الأرض نعيما من غير أن كان وجب لكم عليه حق من ذلك لتشكروا له عليها ، فكيف وجّهتم أنتم الشكر فيها إلى غيره؟
ويحتمل (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) : محنة يمتحنكم بها فى الدنيا ؛ كقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢] ثم لتجزون فى دار أخرى فكيف أنكرتم البعث؟!
__________________
(١) انظر تفسير البغوى (١ / ٥٩).