بقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦].
وقوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) إلى قوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ...) الآية [الأنبياء : ٢٧].
وقوله : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ...) الآية [النحل : ٥٠].
وقوله : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) [الأنبياء : ١٩].
وما جاءت به الآثار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من وصف طاعتهم لله ، ومواظبتهم على العبادة.
وما لا يذكر عن أحد من الرسل وصف ملك بالمعصية ، بل إنما ذلك يذكر عن بعض السلف مما لا لوم فى مخالفته فى فروع الدين ، فضلا من أن يبسط اللسان فى ملائكة الله سبحانه ، وبالله المعونة والعصمة.
قال الله تعالى لملائكته : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ...) الآية.
زعم قوم أن هذا زلة منهم ، لم يكن ينبغى لهم أن يقابلوا قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بهذا ؛ لما يخرج مخرج الاستعتاب بقولهم : أتفعل ونحن نفعل كذا؟! كالمنكرين لفعله.
وأيدوا ذلك بقوله عزوجل : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أنه لو لا كان فى ذلك طرف من الجهل يحذر عن مثله قائله ، لم يتبع قولهم هذا ، ومعلوم عندهم أن يكون هو يعلم ما لا يعلمون.
وأيد ذلك بما امتحنهم بالإنباء عن أسماء الأشياء ، مقرونا بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ولو لا أنه سبق منهم ما استحقوا عليه التوعد لم يكن لذلك الشرط عند القول : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) فائدة مع ما يوضع موضع التوبيخ والتهدد.
ومنهم من قال : إن قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) قول إبليس ، هو الذى تعرض بهذا القول ، وإن كان الكلام مذكورا باسم الجماعة ؛ لأنه جائز خطاب الواحد على إرادة الجماعة ، وذكر الجماعة على إرادة الواحد ، وإن كان خطاب الله تعالى لجملة ملائكته حيث قال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ...) الآية.
قوله : (أَنْبِئُونِي) بكذا ، وهو يعلم أنهم لا يعلمون ذلك ، ولا يحتمل أن يأمرهم بذلك وهم لا يعلمون. ولو تكلفوا الإخبار للحقهم الكذب فى ذلك.
ثبت أن ذلك على التوبيخ والتهدد لما فرط منهم.