كما أحوجهم الاختلاف إلى من يقوم (١) بذلك من وجه يعلم صدقه فى ذلك ؛ فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعمة منه عليهم ، إذ بطاعته نجاتهم ، ولا قوة إلا بالله.
ويحتمل : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) أى : وجهوا شكر نعمتى إلىّ ، ولا توجهوها إلى غيرى.
فإن كان هذا المراد ، فهم وغيرهم فيه سواء ؛ إذ على كل منعم عليه أن يوجّه شكر نعمه إلى ربه.
وكان الأمر بذكر النعمة ـ والله أعلم ـ أمرا بعرفانها فى القلب أنها منّة ، لا الذكر باللسان ؛ إذ لا سبيل إلى ذكر كل ما أنعم عليه سوى الاعتراف بالعجز عن أداء شكر واحدة منها طول عمره.
وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي).
قد ذكرنا فيما تقدم أن عهد الله على وجهين :
عهد خلقة : لما جعل فى خلقة كلّ أحد دلائل تدل على معرفته وتوحيده ، وأنه لم يخلقه للعبث ، ولا يتركه سدى.
وعهد رسالة : على ألسن الرسل ؛ كقوله تعالى : (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ...) الآية [المائدة : ١٢].
وكقوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ...) الآية [المائدة : ١٢].
وكقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ...) الآية [آل عمران : ١٨٧].
وقوله تعالى : (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ).
الذى وعدتكم ؛ وهو الجنة ، كقوله : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ ...) الآية [المائدة : ١٢].
ويقال : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أى : أدوا ما فرضت عليكم من فرائض ، ووجّهوا إلىّ شكر نعمتى ، ولا تشكروا غيرى.
ويكون أوفوا بعهدى الذى أخذ على النبيّين بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ...)
الآية [آل عمران : ٨١] ، (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٨٧] فيكون عهده تبليغ ما بيّن فى كتبهم ؛ من بعث محمد صلىاللهعليهوسلم والإقرار به ، والنصر له إذا بعث محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
أى : اخشوا سلطانى وقدرتى.
__________________
(١) فى أ : يقول.