وقيل (١) : اخشوا عذابى ونقمتى.
وقيل (٢) : اخشوا نقض عهدى وكتمان بعث محمد نبيّى صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ).
قوله : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) على نبيّى محمد صلىاللهعليهوسلم من القرآن.
(مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ).
أى : موافقا لما معكم من الكتب ؛ من التوراة ، والإنجيل ، وغيرهما.
وهم قد عرفوا موافقته كتبهم ؛ إذ لم يتكلفوا جمع هذا إلى كتبهم ، ومقابلة بعض ببعض.
أو يحتمل قوله : (مُصَدِّقاً) أى : موافقا لما معكم من الكتب ، وليس كما قال صنف من الكفرة ـ وهم الصابئون ـ : إن الإنجيل نزل بالرّخص (٣) ، والتوراة نزلت بالشدائد. فقالوا باثنين ؛ لما لم يروا نزول الكتب ـ بعضها على الرّخص وبعضها على الشدائد من واحد ـ حكمة.
فقال عزوجل : (مُصَدِّقاً) أى : موافقا للكتب ، وأنها إنما نزلت من واحد لا شريك له ، وإن كان فيه شدائد ورخص ؛ إذ لله أن ينهى هذا عن شىء ، ويأمر آخر ، وينهى فى وقت ، ويأمر به فى وقت ، وليس فيه خروج عن الحكمة أن يأمر أحدا وينهاه فى وقت واحد ، وفى حال واحدة ، وفى شىء واحد.
ثم فى الآية دلالة أن المنسوخ موافق للناسخ ، غير مخالف له ؛ لأن من الأحكام والشرائع ما كانت فى كتبهم ، ثم نسخت لنا ، فلو كان فيها خلاف لظهر القول منهم إنه مخالف ، وإنه غير موافق.
وكذلك فى القرآن ناسخ ومنسوخ ، فلم يكن بعضه مخالفا لبعضه ، كقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].
__________________
(١) أخرجه ابن جرير عن أبى العالية بنحوه (٨١٢) ، والسدى (٨١٣).
(٢) انظر تفسير البغوى (١ / ٦٧).
(٣) تطلق كلمة (رخصة) ـ فى لسان العرب ـ على معانى كثيرة منها :
الإذن فى الأمر بعد النهى عنه : يقال : رخّص له فى الأمر ، إذا أذن له فيه ، والاسم رخصة على وزن (فعلة) مثل (غرفة) ، وهى ضد التشديد ، أى : أنها تعنى التيسير فى الأمور ، يقال : رخّص الشرع فى كذا ترخيصا ، وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله ، قال عليه الصلاة والسلام : «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته». وفى الاصطلاح عرفها الغزالى بأنها : عبارة عما وسّع للمكلف فى فعله لعذر عجز عنه مع قيام السبب المحرّم.
ينظر : المستصفى (١ / ٦٣) ، لسان العرب ، تاج العروس (رخص).