كقوله : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ٢٠] من المن ، والسلوى ، وتظليل الغمام ، وامتداد اللباس على قدر القامة والطول.
كما قيل : إن ثيابهم كانت تزداد وتمتد عليهم على قدر ما تزداد قامتهم ، وكانت لا تبلى عليهم ولا تتوسخ ، وذلك مما لم يؤت أحدا سواهم.
ويحتمل أيضا قوله : (نِعْمَتِيَ) أى : النجاة من فرعون وآله ؛ كقوله : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ...) الآية [البقرة : ٤٩].
وقوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
قيل (١) : فضّلوا على جميع من على وجه الأرض ؛ على الدوابّ بالجوهر ، وعلى الجن بالرسل ، وعلى البشر بالإيمان.
ويحتمل تفضيلهم على العالمين وجوها أيضا :
ما ذكرنا من بعث الأنبياء منهم.
والنجاة من أيدى العدو.
وإهلاك العدو وهم يرونه.
وفرق البحر بهم ، والنجاة منه ، وإهلاك العدو فيه.
وذلك من أعظم النعم : أن ترى عدوّك فى الهلاك وأنت بمعزل منه آمن.
وقوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) إلى قوله : (فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
يحتمل : فضّل أوائلهم.
وفى الآية وجهان على المعتزلة :
أحدهما : قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) ، وعندهم : أن جميع ما فعل مما عليه الفعل ، ولو فعل غيره لكان يكون به جائزا ، فإذا كان تركه بفعله جائزا ففعله حق عليه.
ولا أحد يكون بفعل ما لا يجوز له الترك منعما على أحد ؛ فثبت أن كان ثمّ منه معنى زائد خصهم به ، وأن ليس التخصيص محاباة كما زعمت المعتزلة ، ولا ترك الإنعام بخل كما قالوا.
والثانى : قوله : (فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، فلو لم يكن منه إليهم فضل معنى ، لم يكن لهم تفضيل على غيرهم ؛ فثبت أن كان فيهم ذلك.
ومن قول المعتزلة : أن ليس لله أن يخص أحدا بشيء إلا باستحقاق يفعله ، وبذلك هم
__________________
(١) أخرجه ابن جرير عن قتادة بنحوه (٨٦٩) وأبى العالية (٨٧٠) ومجاهد (٨٧١ ، ٨٧٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٣٣).