فضّلوا أنفسهم على العالمين ، لا هو ، فكيف يمنّ عليهم بذلك؟! ولا قوة إلا بالله.
مع ما لا يخلو تفضيله إياهم على غيرهم من أن يكون لهم الفضل فى الدين أولا.
فإن لم يكن فليس ذلك بتفضيل.
وإن كان ثبت أن ليس من الحق عليه التسوية بين الجميع فى أسباب الدين.
وقوله عزوجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).
الآية ـ والله أعلم ـ كأنّها مؤخّرة فى المعنى وإن كانت فى الذكر مقدمة ؛ لأنه قال : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، ثم ذكر الأفضال والمنن فقال : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ...) الآية [البقرة : ٤٩] ، وقوله : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ) ، وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [البقرة : ٥٠].
ذكّرهم ـ عزوجل ـ عظيم نعمه ومننه عليهم ؛ ليشكروا له ، وليعرفوا أنها منّة ، وأنه فضل منه.
ثم حذّرهم ـ جل وعزّ ـ فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ...) الآية ؛ ليكونوا على حذر ؛ لئلا يصيبهم ما أصاب الأمم السالفة من الهلاك وأنواع العذاب بعد الأمن ، والتوسع عليهم ، كقوله : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) إلى قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ...) الآية [الأنعام : ٤٣ ـ ٤٤].
ثم فى الآية دليل لقول أبى حنيفة وأصحابه : إن الولد يصير مشتوما مقذوفا بشتم والديه ؛ لما عيرهم ـ جل وعزّ ـ بصنع آبائهم بقوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) [البقرة : ٥١] وهم لم يتخذوا العجل ، وإنما اتخذ ذلك آباؤهم.
وكذلك ذكر ـ عزوجل ـ صنعه ومننه عليهم ، من نحو النجاة من الغرق ، وإخراجهم من أيدى العدو ، وفرق البحر بهم ، وإهلاك العدو. وإنما كان ذلك لآبائهم دونهم ، لكن ذكّرهم ـ جل وعزّ ـ عظيم مننه على آبائهم ؛ ليشكروا له على ذلك ، وكذلك عيّرهم بصنيع آبائهم من اتخاذ العجل ، وإظهار الظلم ؛ ليكونوا على حذر من ذلك ، والله أعلم.
وفى قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أى : بما كان إنعامى عليهم باتباعهم الرسول موسى ـ عليهالسلام ـ وطاعتهم له ، فاتّبعوا اسم الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم وأطيعوا له ، ولا تتركوا اتباعه.
وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).
قيل : أى لا تؤدى نفس عن نفس شيئا ؛ كقوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ...) الآيات [عبس : ٣٤ ـ ٣٥].