له.
فيكون فى ذلك القدر وفاء وتوبة لا حقيقة القتل ، والله أعلم.
والثانى : يجوز ذلك ؛ لأن عقوبات الدنيا وثوابها محنة ، لجواز الامتحان بعد التوبة والرجوع إلى طاعة الله ؛ لأنها دار محنة.
وأما عقوبات الآخرة وثوابها فليستا بمحنة ؛ لأنها ليست بدار امتحان ؛ لذلك : جاز التعذيب فى الدنيا بعد التوبة ، ولم يجز فى الآخرة إذا مات على التوبة ، والله أعلم.
ثم قيل فى قوله : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، بوجوه :
قيل : أمروا ببذل الأنفس للقتل ، والتسليم له ؛ فصاروا كأن قد قتلوا أنفسهم.
ويجوز أن يكون الأمر بقتل أنفسهم أمرا بمجاهدة الأعداء ، وإن كان فيها تلفهم على ما قال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ...) الآية [التوبة : ١١١] مذكور ذلك فى التوراة.
وكذا قوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) [البقرة : ٨٤] نهى عن القتل الذى فيه قتل أنفسهم.
وقد قيل فى قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] بمعنى : أى لا تقتلوا من تقتلون ، فكأنما قد قتلتم أنفسكم ، وعلى هذا التأويل خرّج أبو بكر قوله : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٦٦]. والله الموفق.
وقيل (١) : أمر بعضا بقتل بعض ، كقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً) [النور : ٦١] أى : يسلم بعضهم على بعض.
وقيل : أمر كلّ من عبد العجل بقتل نفسه ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ).
قيل : إن التوبة خير لكم عند خالقكم.
وقيل (٢) : قتلكم أنفسكم خير لكم من لزوم عبادة العجل.
ويحتمل : عبادة الرب ـ عزوجل ـ خير لكم من عبادة العجل ، والله أعلم.
وقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وقد ذكرنا المعنى فى ذلك فيما تقدم.
وفى بذل أنفسهم للقتل ، والصبر عليه ، وكف أيديهم عن الدفع ، والممارسة ـ فيه وجهان :
__________________
(١) تقدم عن ابن عباس ، وأخرجه ابن جرير عن مجاهد (٩٣٩ ، ٩٤٠) وانظر الدر المنثور (١ / ١٣٥).
(٢) قاله ابن جرير (١ / ٣٢٨).