ويحتمل : لن نؤمن لك أنه إله ، ولا نعبده حتى نراه جهرة عيانا.
فاحتج بعض من ينفى الرؤية فى الآخرة بهذه الآية (١) ؛ حيث أخذتهم الصاعقة لما سألوا الرؤية.
قالوا : فلو كان يجوز أن يرى لكان لا تأخذهم الصاعقة ، ولا استوجبوا بذلك العذاب والعقوبة.
وأما عندنا ، فإنه ليس فى الآية دليل نفى الرؤية ، بل فيها إثباتها.
وذلك أن موسى ـ عليهالسلام ـ لما سئل الرؤية لم ينههم عن ذلك ، ولا قال لهم : لا تسألوا هذا.
وكذلك سأل هو ربه الرؤية ، فلم ينهه عنها ، بل قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] وإذا صرف الوعد لا يجوز ذلك ، لو كان لا يحتمل ؛ لأنه كفر ، ومحال ترك النهى عنه.
وكذلك ما روى فى الأخبار : من سؤال الرؤية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قالوا : أنرى ربنا (٢)؟ لم يأت عنه النهى عن ذلك ، ولا الرد عليهم ؛ فلو كان لا يكون لنهوا عن ذلك ومنعوا.
وإنما أخذ هؤلاء الصاعقة بسؤالهم الرؤية ؛ لأنهم لم يسألوا سؤال استرشاد ، وإنما سألوا سؤال تعنت.
دليل التعنت ، فيما جاء من الآيات ، من وجه الكفاية لمن ينصف ؛ لذلك أخذتهم الصاعقة ، والله أعلم.
أو أن يقال : أخذتهم الصاعقة بقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) ، لا بقولهم : (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً). وسنذكر هذه المسألة فى موضعها ، إن شاء الله تعالى.
وقوله : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ).
قيل : الصاعقة كل عذاب فيه هلاك.
لكن الهلاك على ضربين :
هلاك الأبدان والأنفس.
__________________
(١) الكلام على الرؤية سيأتى عند قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣].
(٢) أخرجه البخارى (٤٥٨١) ، ومسلم (٣٠٢ / ١٨٣) ، عن أبى سعيد الخدرى.
ومن طريق آخر أخرجه أحمد (٣ / ١٦) ، وابن ماجه (١٧٩) وابن أبى عاصم (٤٥٢) ، وأبو يعلى (١٠٠٦) وابن خزيمة (١٦٩).