لأنه ـ عزوجل ـ قد أخرج بلطفه ، من حجر يصغر فى نفسه ـ مما يحمل من مكان إلى مكان ـ من الماء ما يكفى لخلق لا يحصى عددهم إلا الله ، وفجر منه أنهارا ، لكل فريق نهر على حدة.
__________________
ـ وقد اعتنى العلماء الأولون بمبحث حدوث العالم ، فبرهنوا على حدوثه وخلقه ، وكان هدفهم من ذلك هدفا دينيّا بحتا ؛ إذ فى إثبات ذلك بيان إعجاز الخالق فى السنن والقوانين التى يسير عليها الخلق ، من حيث إن الله تعالى يعطى كل مخلوق طبيعته المقدرة له أو ماهيته الخاصة به ، ومن هنا كان خلقه للعالم لحكمة ، ولم يخلقه عبثا.
وعلة أخرى ، وهى بيان تهافت كثير من الخلق فى القول بقدم الخلق ، وهم كثير بل جمهور المتقدمين والمتأخرين من الفلاسفة على القول بقدم العالم ، ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ، فاتبعوه إلا قليلا من المؤمنين.
والعالم اسم لما سوى الله تعالى وصفاته من الموجودات ، فالمعدوم ليس من العالم ، وهو شامل السموات والأفلاك وما فيها ، ويطلق عليها اسم العالم العلوى ، وشامل لما انحط من السموات والسحاب والأرض ، وما فيها من الهواء ، وما على الأرض من نبات وحيوان وجماد ، وما فيها من بحار وجبال وأنهار وغيرها ، ويطلق عليه اسم العالم السفلى وهو حادث.
والعالم فى اللغة : عبارة عما يعلم به الشىء ؛ قال الجوهرى فى الصحاح : «العالم : الخلق» وقال ابن منظور : «والعالم : الخلق كله ، وقيل : هو ما احتواه بطن الفلك» وقال الزبيدى : «والعالم : الخلق كله».
وفى ترتيب القاموس : «والعالم : الخلق كله ، أو ما حواه بطن الفلك» ، وقال الزبيدى فى تاج العروس : «وهو فى الأصل اسم لما يعلم به كالخاتم لما يختم به ، فالعالم آلة فى الدلالة على موجده ، ولهذا أحالنا عليه فى معرفة وحدانيته ، فقال : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٧] ، وقال جعفر الصادق : «العالم : عالمان كبير وهو الفلك بما فيه ، وصغير وهو الإنسان ؛ لأنه على هيئة العالم الكبير ، وفيه كل ما فيه».
قال البغدادى : «... وزعم بعض أهل اللغة أن العالم كل ما له علم وحس ، وقال آخرون : إنه مأخوذ من العلم الذى هو العلامة ، وهذا أصح ؛ لأن كل ما فى العالم علامة ، ودلالة على صانعه».
والعالم فى الاصطلاح : هو عبارة عن كل ما سوى الله من الموجودات ؛ لأنه يعلم به الله من حيث أسماؤه وصفاته. ومن أجمع التعريفات له ما حده به إمام الحرمين الجوينى فى العقيدة النظامية حيث قال : «العالم : كل موجود سوى الله تعالى ، وهو أجسام محدودة ، متناهية المنقطعات ، وأعراض قائمة بها ، كألوانها ، وهيئاتها ، فى تركيبها وسائر صفاتها ، وما شاهدنا منها ، واتصلت به حواسنا ، وما غاب منها عن مدرك حواسنا ، متساوية فى ثبوت حكم الجواز لها ، ولا شكل يعاين أو يفرض منا ، صغر أو كبر ، أو قرب أو بعد ، أو غاب أو شهد ، إلا والعقل قاض بأن تلك الأجسام المشكلة ، لا يستحيل فرض تشكلها على هيئة أخرى ، وما سكن منها لم يحل العقل تحركه ، وما تحرك منها لم يحل سكونه ، وما صودف مرتفعا إلى سمك من الجو ، لم يبعد تقدير انخفاضه ، وما استدار على النطاق لم يبعد فرض تداوره ، نائيا عن مجراه ، وترتب الكواكب على أشكالها ...».
قال البغدادى فى أصول الدين : «والعالم عند أصحابنا كل شىء هو غير الله عزوجل».
وفى العقائد النسفية : «والعالم : أى ما سوى الله تعالى من الموجودات مما يعلم به الصانع ، يقال : عالم الأجسام ، وعالم الأعراض ، وعالم النبات ، وعالم الحيوان ، فتخرج صفات الله ـ