__________________
ـ والنحل».
ثانيا ـ الأدلة النقلية :
فمن القرآن قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢].
ومن السنة ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن عمران بن حصين ـ رضى الله عنهما ـ قال : دخلت على النبى صلىاللهعليهوسلم وعقلت ناقتى بالباب ، فأتاه ناس من بنى تميم ، فقال : اقبلوا البشرى يا بنى تميم. قالوا : قد بشرتنا فأعطنا (مرتين) ، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن ، فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبل بنو تميم. قالوا : قد قبلنا يا رسول الله. قالوا : جئنا نسألك عن هذا الأمر.
قال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب فى الذكر كل شىء ، وخلق السموات والأرض ، فنادى مناد : ذهبت ناقتك يا بن الحصين ، فانطلقت فإذا هى يقطع دونها السراب ، فو الله لوددت أنى كنت تركتها».
والدليل على خلق الله السموات والأرض ، وما بينهما لا يعد ولا يحصى من الآيات والأحاديث ، وقد اعترض بعض المفكرين القدماء والمحدثين على أن بحث المتكلمين فى العالم لبيان حدوثه وخلقه ، بحث لا يرجع إلى القرآن الكريم ؛ معتمدين أن لفظ «القدم» أو «الحدوث» هو نفسه مردود إلى مصدر فلسفى أجنبى ، وهذا غير صحيح.
وقد كانت أول الحقائق التى ذكرها القرآن الكريم أن العالم حادث مخلوق من لا شىء ، وإذا كان العالم محدثا ، فلا بد له من خالق ، وهو الله تعالى ، خلق كل شىء ، فهو المصور والمبدع.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى قدرته تعالى المطلقة على الخلق ، وأنه تعالى خلق الخلق بعلمه ، وصورهم ، ورزقهم ، ولم يكن معه معين ولا نصير :
قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١١٧].
وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ٦].
وقال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام : ١٠١].
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر : ٣].
شبهات وردود :
ولا يسلم الأمر لأهل السنة والجماعة قولهم بإثبات حدوث العالم ، فقد أبى الله تعالى إلا أن يجعل للباطل نصيبا يقوم عليه أهله ، وذلك لحكمة يعلمها الله تعالى ، ولعل منها بيان معرفة الحق من الباطل ، والتمييز بين الفريقين ؛ ليحيا من حيى عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة.
ولكن أدلة القائلين بقدم العالم ـ على كثرتهم ـ أدلة واهية لا تقوى على الرد والتفنيد. قال الغزالى فى التهافت : «لو ذهبت أصف ما نقل عنهم فى معرض الأدلة ، وذكر فى الاعتراض عليه ، لسودت فى هذه المسألة أوراقا ، ولكن لا خير فى التطويل ، فلنحذف من أدلتهم ما يجرى مجرى التحكم أو التخيل الضعيف الذى يهون على كل ناظر حله».
ثم ساق أقوى أدلتهم ، ثم عرج عليها تفنيدا وردّا ، والمقام ليس مقام بسط ، وتفصيله فى تهافت الفلاسفة.
ونذكر هنا بعض الشبه التى ذكرها البزدوى فى أصول الدين ، ورده عليها ، يقول : «إنهم يقولون : إنا نقول بقدم الهيولى لا غير لا بقدم كل العالم ، والهيولى شيء واحد لا يتصور افتراقه ، ولا ـ