واجتهاده.
فلما كانت الدولة العباسية ، وتقررت المذاهب الفقهية المختلفة ، غدا كل قاض يصدر في أحكامه عن مذهب منها ، ويعوّل في الفصل بين الناس عليه. كما استحدثت الدولة العباسية منصب «قاضي القضاة» ، وأول من تلقب بهذا اللقب أبو يوسف في عهد هارون الرشيد.
وكان القضاة في العصر العباسي ينظرون في القضايا المدنية والدعاوى والأوقاف ، وتنصيب الأوصياء ، وأحيانا المظالم والقصاص وبيت المال (١).
ب ـ النظر في المظالم :
ويختص صاحب المظالم بالنظر في القضايا التي عجز القضاة عن الفصل فيها ، وكان يتولى النظر في المظالم ـ أحيانا ـ الخلفاء أنفسهم ، فكان بعض خلفاء بني العباس يجلس لهذا الأمر ؛ ليحكم في المظالم.
كما كان يرأس محكمة المظالم ـ إن لم يكن رئيسها هو الخليفة ـ الوالي أو من ينوب عنه.
وكان صاحب المظالم يعين للناس يوما يقصدونه فيه ، أو أسبوعا كاملا يفرغ لهم فيه.
وتنعقد محكمة المظالم في الأعم الأغلب في المسجد ، وكان يحضرها خمس جماعات لا بد من حضورهم هم :
أ ـ جماعة الحماة أو الأعوان : ومهمتهم التغلب على من يلجأ إلى العنف أو يحاول الفرار.
ب ـ جماعة الحكام : ومهمتهم الإحاطة بما يصدر من الأحكام لرد الحقوق إلى أهلها ، والعلم بما يجري بين الخصوم.
ج ـ جماعة الفقهاء : الذين يرجع إليهم صاحب المظالم فيما أشكل عليه.
د ـ جماعة الكتاب : ويقومون بتدوين أقوال الخصوم.
ه ـ الشهود.
ويختلف اختصاص صاحب المظالم عن اختصاص القاضي في عدة أمور :
أولها : صاحب المظالم ينظر في القضايا التي يقيمها الأفراد على الولاة وعمال
__________________
(١) ينظر : مقدمة ابن خلدون (١٩٢ ، ١٩٣).