(بِرُوحِ الْقُدُسِ).
اختلف فيه :
قيل (١) : روح القدس : جبريل.
وفى الأصل : القدوس ، لكن طرحت الواو للتخفيف (٢).
وتأييده : هو أن عصمه على حفظه ؛ حتى لم يدن منه شيطان ، فضلا أن يدنو بشيء ، والله أعلم.
وقيل : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) يعنى بالروح : روح الله.
ووجه إضافة روح عيسى إلى الله ـ عزوجل ـ : أن تكون أضيفت تعظيما له وتفضيلا (٣) ، وذلك أن كل خاص أضيف إلى الله ـ عزوجل ـ أضيف ؛ تعظيما لذلك الشىء ، وتفضيلا له ، كما يقال لموسى : كليم الله ، ولعيسى : روح الله ، ولإبراهيم : خليل الله ، على التعظيم والتفضيل.
وإذا أضيف الجمل إلى الله ـ عزوجل ـ فإنما تضاف ؛ تعظيما له ـ عزوجل ـ وتنزيها ؛ كقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرعد : ١٦] أضيف ذلك إليه ؛ تعظيما وتنزيها ، والله الموفق.
والأصل فى ذلك : أن خاصية الأشياء إذا أضيف ذلك إليه أضيف تعظيما لتلك الخاصية. وإذا أضيف جمل الأشياء إلى الله ، فهو يخرج على تعظيم الرب والتبجيل له.
وقوله : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ).
فى ظاهر هذه الآية أنهم كذبوا فريقا من الرسل ، وقتلوا فريقا منهم.
ويقول بعض الناس : إنهم قتلوا الأنبياء ولم يقتلوا الرسل ؛ لقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١] ، ولقوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات : ١٧٢] أخبر أنه ينصرهم ، ومن كان الله ناصره فهو لا يقتل.
ومنهم من يقول : إنهم قتلوا الرسل والأنبياء.
فنقول : يحتمل قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) فى رسول دون رسول ، فمن نصره الله فهو
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٤٨٨) ، وعن السدى (١٤٨٩) ، والضحاك (١٤٩٠) ، والربيع (١٤٩١). وانظر الدر المنثور (١ / ١٦٧).
(٢) ينظر : اللباب فى علوم الكتاب (٢ / ٢٦٦) ، والدر المصون (١ / ٢٩٤) ، والمحرر الوجيز (١ / ١٧٦) ، والبحر المحيط (١ / ٤٦٧).
(٣) فى أ : وتخصيصا.