لم يقتل. أو كان ما ذكر من النّصرة لهم كان بالحجج والآيات.
ثم فى الآية دلالة رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ونبوته ؛ لأنه أخبرهم بتكذيب بعض الرسل ، وقتل بعضهم ، فسكتوا عن ذلك ، فلو لا أنهم عرفوا أنه رسول ـ عرف ذلك بالله ـ وإلا لم يسكتوا عن ذلك.
وقوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ).
يعنى : فى أكنة عليها الغطاء ؛ فلا نفهم ما تقول ، ولا نفقه ما تحدّث.
يدّعون زوال الخطاب عن أنفسهم ؛ كراهية لما سمعوا.
وأكذبهم الله تعالى بقوله : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ) أى : طردهم الله ؛ بكفرهم ، وعتوهم ، وتفريطهم فى تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واعتنادهم إياه ، لا أن قلوبهم بمحل لا يفهمون شيئا مما يخاطبون به ـ على ما يزعمون ـ ولكن ذلك لترك التفكر والتدبر فيها.
وقيل فى قوله : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) : يعنى : أوعية ، تفهم وتعى ما يقال ، ويخاطب ، ولكن لا تفهم ما تقول ، ولا تفقه ما تحدث ، فلو كان حقّا وصدقا لفهمت ولفقهت عليه.
يدّعون إبطال ما يقول الرسول صلىاللهعليهوسلم لهم ، وذلك نحو ما قالوا لشعيب : (ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) [هود : ٩١].
وقوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ).
قيل فيه بوجهين :
قيل (١) : فقليلا أى بقليل ما يؤمنون من التوراة ؛ لأنهم عرفوا نعته وصفته ، وحرفوه ، فلم يؤمنوا به.
وقيل : فقليلا ، أى : قليل منهم يؤمنون بالرسل ، صلى الله عليهم وسلم.
وقوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ).
فلو لا أنهم عرفوا أن هذا الكتاب هو موافق لما معهم من الكتاب ، غير مخالف له ، وإلا لأظهروا الخلاف لو عرفوا ذلك ، ولتكلفوا على إطفاء هذا النّور ودفعه ؛ فدل سكوتهم عن ذلك ، وترك اشتغالهم بذلك ، أنهم عرفوا موافقته لما معهم من التوراة ؛ ففيه آية نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).
__________________
(١) قاله معمر ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٥١٩).