وقوله : (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا).
يعنى التوراة ، وهم لم يكونوا آمنوا بالتوراة ؛ لأنهم لو كانوا آمنوا بها لكان فى الإيمان بها إيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما أنزل عليه ، وإيمان بجميع الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ والرسل ، وبجميع ما أنزل عليهم ؛ لأن فيها الأمر بالإيمان بجميع الرسل وبكتبهم ؛ لأنه قال : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) ، وموافقا له.
فالإيمان بواحد منهم إيمان بجميع الكتب ، وبعضها موافق لبعض.
وقوله : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ).
قيل (١) : وراء التوراة كفروا بالإنجيل والفرقان ؛ كأنه قال : كفروا بالذى وراءه وهو الحق ؛ إذ هما موافقان لما معهم ، غير مخالف له.
ويحتمل : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) يعنى : وراء موسى بعيسى وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ؛ كأنه قال : من ورائه صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فإن قالوا : إنا لم نقتل الأنبياء ، ونحن مؤمنون.
قيل لهم : إنكم ـ وإن لم تتولوا القتل ـ فقد رضيتم بصنيع أولئك ، واتبعتم لهم ، مع ما قد همّوا بقتل محمد صلىاللهعليهوسلم مرارا ؛ ولذلك أضيف إليهم.
وقيل : أخبر ـ عزوجل ـ نبيّه صلىاللهعليهوسلم غاية سفههم ، وعتوهم ، ومكابرتهم فى تكذيبه.
وذلك : أن النبى صلىاللهعليهوسلم دعا اليهود إلى الإيمان به ، وبما أنزل عليه. فقالوا : ائتنا بالآيات والقربان ، كما كانت الأنبياء ـ من قبل ـ يأتون بها قومهم.
يقول الله ـ عزوجل ـ : قد كانت الأنبياء من قبل تجىء ـ بما تقولون ـ إلى آبائكم ؛ من الآيات والقربان ، فكانوا يقتلونهم.
فيقول الله ـ عزوجل ـ لمحمد صلىاللهعليهوسلم : أن قل لهم : لم تقتلون؟
يقول : لم قتل آباؤكم أنبياء الله قبل محمد صلىاللهعليهوسلم وقد جاءوا بالآيات والقربان إن كنتم صادقين بأن الله عهد إليكم (٢) فى التوراة : ألا تؤمنوا (٣) لرسول حتى يأتيكم (٤) بقربان تأكله النار ، وقد جاءوا به. فلم قتلوهم؟!
__________________
(١) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن جرير عنه (١٥٦٠) ، وعن الربيع (١٥٦١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٧٢).
(٢) فى أ : إلينا.
(٣) فى أ : نؤمن.
(٤) فى أ : يأتينا.