أخبر : أنهم نبذوا نبذ من لا يعلم ، لا أنهم لم يعلموا ، ولكن نبذوه ، سفها ، وتعنتا ، والله أعلم.
وقوله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
قيل : تتلو : ما كتبت الشياطين من السحر (١).
__________________
(١) السحر لغة : كل ما لطف مأخذه ودق ، ومنه قول النبى صلىاللهعليهوسلم : «إن من البيان لسحرا» وسحره : أى خدعه ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) [الشعراء : ١٥٣] أى المخدوعين. ويطلق السحر على أخص من ذلك ، قال الأزهرى : السحر : عمل تقرب به إلى الشيطان وبمعونة منه ، كل ذلك الأمر كينونة للسحر. قال : وأصل السحر : صرف الشىء عن حقيقته إلى غيره ؛ فكأن الساحر لما أرى الباطل فى صورة الحق ، وخيل الشىء على غير حقيقته ، قد سحر الشىء عن وجهه ، أى : صرفه. اه. وروى شمر : أن العرب إنما سمت السحر سحرا ؛ لأنه يزيل الصحة إلى المرض ، والبغض إلى الحب. وقد يسمى السحر : طبّا ، والمطبوب : المسحور ، قال أبو عبيدة : إنما قالوا ذلك تفاؤلا بالسلامة ، وقيل : إنما سمى السحر طبا ؛ لأن الطب بمعنى الحذق ، فلوحظ حذق الساحر فسمى عمله طبا. وورد فى القرآن العظيم لفظ (الجبت) ، فسره عمر وابن عباس وأبو العالية والشعبى بالسحر ، وقيل : الجبت أعم من السحر ، فيصدق أيضا على الكهانة والعرافة والتنجيم. أما فى الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء وغيرهم من العلماء فى تعريفه اختلافا واسعا ، ولعل مرد الاختلاف إلى خفاء طبيعة السحر وآثاره ؛ فاختلفت تعريفاتهم له تبعا لاختلاف تصورهم لحقيقته : فمن ذلك ما قال البيضاوى : المراد بالسحر : ما يستعان فى تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان ، وذلك لا يحصل إلا لمن يناسبه فى الشرارة وخبث النفس. قال : وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل والآلات والأدوية ، أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم ، وتسميته سحرا هو على سبيل التجوز لما فيه من الدقة ؛ لأن السحر فى الأصل لما خفى سببه. اه. ونقل التهانوى عن (الفتاوى الحامدية) : السحر : نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية فى مطالع النجوم ، فيتخذ من ذلك هيكل على صورة الشخص المسحور ، ويترصّد له وقت مخصوص فى المطالع ، وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ، ويتوصل بها إلى الاستعانة بالشياطين ، ويحصل من مجموع ذلك أحوال غريبة فى الشخص المسحور. وقال القليوبى : السحر شرعا : مزاولة النفوس الخبيثة لأقوال أو أفعال ينشأ عنها أمور خارقة للعادة. وعرفه الحنابلة بأنه : عقد ورقى وكلام يتكلم به ، أو يكتبه ، أو يعمل شيئا يؤثر فى بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له.
وقد اختلف العلماء فى أن السحر هل له حقيقة ووجود وتأثير حقيقى فى قلب الأعيان ، أم هو مجرد تخييل؟ فذهب المعتزلة وأبو بكر الرازى الحنفى المعروف بالجصاص ، وأبو جعفر الأسترآباذي والبغوى من الشافعية : إلى إنكار جميع أنواع السحر وأنه فى الحقيقة تخييل من الساحر على من يراه ، وإيهام له بما هو خلاف الواقع ، وأن السحر لا يضر إلا أن يستعمل الساحر سما أو دخانا يصل إلى بدن المسحور فيؤذيه ، ونقل مثل هذا عن الحنفية ، وأن الساحر لا يستطيع بسحره قلب حقائق الأشياء ؛ فلا يمكنه قلب العصا حية ، ولا قلب الإنسان حمارا. قال الجصاص : السحر متى أطلق فهو اسم لكل أمر مموّه باطل لا حقيقة له ولا ثبات ، قال الله تعالى : (قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) [الأعراف : ١١٦] يعنى : موهوا عليهم حتى ـ