وقيل : تتلو ؛ من التلاوة.
وقيل : ما تتلو : ما يروى الشياطين من السحر. وهو قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وهو يرجع إلى واحد.
والآية (١) فى موضع الاحتجاج على اليهود ؛ لأنهم ادعوا : أن الذى هم عليه أخذ عن سليمان عليهالسلام ، فإن كان كفرا فقد كفر سليمان.
فأخبر الله ـ عزوجل ـ نبيّه صلىاللهعليهوسلم : أن سليمان ما كفر ، ولكن الشياطين كفروا بما علّموا الناس من السحر.
ويحتمل : لكن أتباع الشياطين كفروا باعتقادهم السحر ، وعملهم به بتعليم الشياطين ، فنسب ذلك إلى الشياطين بما بهم كفروا ، كما نسبت عبادة الأصنام إلى الشياطين بما بهم عبدوا ، والله أعلم.
__________________
ـ ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى ، وقال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [طه : ٦٦] فأخبر أن ما ظنوه سعيا منها لم يكن سعيا وإنما كان تخييلا ، وقد قيل : إنها كانت عصيّا مجوفة مملوءة زئبقا ، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم محشوة زئبقا ، فأخبر الله أن ذلك كان مموها على غير حقيقته. وذهب جمهور أهل السنة إلى أن السحر قسمان :
قسم هو حيل ومخرقة وتهويل وشعوذة وإيهام ليس له حقائق ، أو له حقائق لكن لطف مأخذها ، ولو كشف أمرها لعلم أنها أفعال معتادة يمكن لمن عرف وجهها أن يفعل مثلها ، ومن جملتها ما ينبنى على معرفة خواص المواد والحيل الهندسية ونحوها ، ولا يمنعه ذلك عن أن يكون داخلا فى مسمى السحر ، كما قال تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف : ١١٦] وهذا ما لم يكن خفاء وجهه ضعيفا فلا يسمى سحرا اصطلاحا ، وقد يسمى سحرا لغة ، كما قالوا : سحرت الصبى بمعنى : خدعته.
القسم الثانى : ما له حقيقة ووجود وتأثير فى الأبدان. فقد ذهبوا إلى إثبات هذا القسم من حيث الجملة ، وهو مذهب الحنفية على ما نقله ابن الهمام ، والشافعية والحنابلة. واستدل القائلون بتأثير السحر وإحداثه المرض والضرر ونحو ذلك بأدلة : منها قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ١ ـ ٤] والنفاثات فى العقد : هن السواحر من النساء. فلما أمر بالاستعاذة من شرهن علم أن لهن تأثيرا وضررا. ومنها قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢] ، ومنها ما ورد أن النبى صلىاللهعليهوسلم «سحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشىء وما يفعله» ولذلك قصة معروفة فى الصحيح ، وفيها أن الذى سحره جعل سحره فى مشط ومشاطة تحت راعوفة فى بئر ذروان ، وأن الله أطلعه على ذلك فاستخرجها ، وأنزلت عليه المعوذتان فما قرأ على عقدة إلا انحلت ، وأن الله تعالى شفاه بذلك.
ينظر : لسان العرب مادة (سحر) ، الجمل على شرح المنهج (٥ / ١٠٠ ، ١١٠) ، كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٦٤٨) ، كشاف القناع (٦ / ١٨٦).
(١) فى أ : ولأنه.