ينهى عن ذلك ؛ لأنه ما لم يعلم لم نعلم (١) قبحه وفساده ، ولكن إنما ينهى عن الاعتقاد له ؛ فكان كالكفر الذى فى تعلمه ، والله أعلم.
ثم نقول : إن قولهما : (فَلا تَكْفُرْ) على الاختيار منهما ، وكلمة السحر جار عليهما فى اللسان ، من غير صنع لهما فيه ، والله أعلم.
وقوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
قيل (٢) : إلا بعلم الله وقضائه.
وقيل : بخذلانه وتخليه.
وقيل : بمشيئة الله وإرادته.
وأما ظاهر الإذن فهو يخرج على الإباحة ؛ فالعقل يدفعه.
وقيل (٣) : إنه لا يصل إلى هاروت وماروت أحد من بنى آدم ، وإنما يختلف بينهم شيطان فى كل مسألة ، والله أعلم.
ثم السحر يكون على وجهين (٤) :
سحر يكفر به صاحبه ؛ فإن كان ذلك منه بعد الإسلام ، يقتل به صاحبه (٥) ؛ لأنه ارتداد منه.
__________________
(١) فى ط : يعلم.
(٢) قاله سفيان ، أخرجه ابن جرير (١٧٠٧) عنه بنحوه.
(٣) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٢) ونسبه لمجاهد.
(٤) ثبت فى حاشية أ :
والسحر على قسمين ، أحدهما ؛ يكفر به صاحبه. وهو أن يعتقد أن القدرة لنفسه ، وذلك هو المؤثر ، أو يعتقد أن الكواكب هى المؤثرة النقالة.
فإذا انتهى به السحر إلى هذه الغاية صار كافرا بالله ، ويجب قتله ؛ لما روى عن جنوب : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الساحر ضربه بالسيف صدق» أخرجه الترمذى.
والقسم الثانى من السحر ؛ هو التخييل الذى يشاكل النيرنجات ، والشعبذة ، ولا يعتقد صاحبه لنفسه فيه قدرة ، ولا أن الكواكب هى المؤثرة ، ويعتقد أن القدرة لله تعالى ، وأنه هو المؤثر.
فبهذا القدر لا يكفر به صاحبه ، ولكنه معصية ، وهو من الكبائر ، ويحرم فعله.
فإن قتل بسحر قتل قصاصا ؛ لما روى عن مالك ، بلغه أن حفصة ، زوج النبى صلىاللهعليهوسلم قتلت جارية لها سحرتها. وقد كانت دونها فأمرت بها فقتلت. أخرجه فى الموطأ. (لباب ابن مازن).
(٥) عقوبة الساحر : ذهب الحنفية إلى أن الساحر يقتل فى حالين : الأول أن يكون سحره كفرا ، والثانى إذا عرفت مزاولته للسحر بما فيه إضرار وإفساد ولو بغير كفر. ونقل ابن عابدين أن أبا حنيفة قال : الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت عليه بالبينة يقتل ولا يستتاب ، والمسلم والذمى فى هذا سواء ، وقيل : لا يقتل إن كان ذميا. ويفهم من كلام ابن الهمام أن قتله إنما هو على سبيل التعزير ، لا بمجرد فعله إذا لم يكن فى اعتقاده ما يوجب كفره ، وقال ابن عابدين : يجب قتل الساحر ولا يستتاب ، وذلك لسعيه فى الأرض بالفساد لا بمجرد عمله إذا لم يكن فى اعتقاده ما يوجب كفره ، لكن إن جاء تائبا قبل أن يؤخذ قبلت. وذهب المالكية إلى قتل الساحر ، لكن قالوا : إنما يقتل إذا حكم بكفره ، وثبت ـ