وسحر لا يكفر به صاحبه ؛ فلا يقتل به ، إلا أن يسعى فى الأرض بالفساد : من قتل الناس ، وأخذ الأموال. فهو كقاطع الطريق ، يحكم بحكمهم من القتل وسائر العقوبات ، وإذا تاب قبلت توبته.
ألا ترى أن سحرة فرعون لما رأوا الآيات آمنوا بالله ـ تعالى ـ وتابوا توبة لا يطمع فى
__________________
ـ عليه بالبينة لدى الإمام ، فإن كان متجاهرا به قتل وماله فىء إلا أن يتوب ، وإن كان يخفيه فهو كالزنديق يقتل ولا يستتاب ، واستثنى المالكية ـ أيضا ـ الساحر الذمى ، فقالوا : لا يقتل ، بل يؤدب. لكن قالوا : إن أدخل الساحر الذمى ضررا على مسلم فيتحتم قتله ، ولا تقبل منه توبة غير الإسلام ، نقله الباجى عن مالك. لكن قال الزرقانى : الذى ينبغى اعتماده أن ذلك يوجب انتقاض عهده ، فيخير الإمام فيه. أما إن أدخل الساحر الذمى ضررا على أحد من أهل ملته فإنه يؤدب ما لم يقتله ، فإن قتله قتل به. وعند الشافعية : إن كان سحر الساحر ليس من قبيل ما يكفر به ، فهو فسق لا يقتل به ما لم يقتل أحدا ويثبت تعمده للقتل به بإقراره. وذهب الحنابلة إلى أن الساحر يقتل حدا ولو لم يقتل بسحره أحدا ، لكن لا يقتل إلا بشرطين : الأول : أن يكون سحره مما يحكم بكونه كفرا مثل فعل لبيد بن الأعصم ، أو يعتقد إباحة السحر ، بخلاف ما لا يحكم بكونه كفرا ، كمن يزعم أنه يجمع الجن فتطيعه ، أو يسحر بأدوية وتدخين ، وسقى شىء لا يضر. الثانى : أن يكون مسلما ، فإن كان ذميا لم يقتل ؛ لأنه أقر على شركه وهو أعظم من السحر ، ولأن لبيد بن الأعصم اليهودى سحر النبى صلىاللهعليهوسلم فلم يقتله ، قالوا : والأخبار التى وردت بقتل الساحر إنما وردت فى ساحر المسلمين لأنه يكفر بسحره. والذمى كافر أصلى فلا يقتل به ، لكن إن قتل بسحر يقتل غالبا ، قتل قصاصا. وشرط آخر أضافه صاحب المغنى : وهو أن يعمل بالسحر ، إذ لا يقتل بمجرد العلم به. ثم قال بعضهم : ويعاقب بالقتل أيضا من يعتقد حل السحر من المسلمين ، فيقتل كفرا ؛ لأنه يكون بذلك قد أنكر مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة. واحتجوا لقتل الساحر بما روى جندب مرفوعا «حد الساحر ضربة بالسيف». وبما ورد عن بجالة بن عبدة أن عمر ابن الخطاب كتب : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. وبأن حفصة أمرت بقتل ساحرة سحرتها. وأن معاوية كتب إلى عامله قبل موته بسنة : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدى الوليد بن أبى عقبة.
وذهب الجمهور خلافا للحنفية إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا ، وفيه القصاص. ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار. وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافئ له ففيه القصاص إن تعمد قتله به ، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما ، كقوله : قتلته بسحرى ، أو قوله : قتلته بنوع كذا ، ويشهد عدلان يعرفان ذلك ، وقد كانا تابا ، بأن ذلك النوع يقتل غالبا. فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه عمد. فإن قال : أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فخطأ. ولا يثبت القتل العمد بالسحر بالبينة عند الشافعية لتعذر مشاهدة الشهود قصد الساحر وتأثير سحره. قال المالكية والشافعية : يستوفى القصاص ممن قتل بسحره بالسيف ولا يستوفى بسحر مثله ، أى لأن السحر محرم ؛ ولعدم انضباطه. وصرح المالكية بأن الذمى إن قتل بسحره أحدا من أهل ملته فإنه يقتل به.
وصرح الشافعية والحنابلة بأن الساحر غير المستحق للقتل ، بأن لم يكن سحره كفرا ولم يقتل بسحره أحدا ، إذا عمل بسحره يعزر تعزيرا بليغا لينكف هو ومن يعمل مثل عمله ، ولكن بحيث لا يبلغ بتعزيره القتل ، على الصحيح من المذهب عند الحنابلة لارتكابه معصية. وفى قول للإمام : تعزيره بالقتل.