مثل تلك التوبة من المسلم الذى نشأ على الإسلام ، حيث أوعدهم فرعون بقطع الأيدى والأرجل ، والصلب ، وأنواع العذاب ، فقالوا : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٥٠].
وذكر عن أبى حنيفة ـ رحمهالله ـ فى الساحرة : أنها لا تقتل مرة ، وذكر عنه مرة : أنها تقتل. وقال فى الساحر بالقولين.
فأما ما روى عنه فيه بالقتل بعمل السحر ، فهو على ما ذكرنا من قتله الناس بالسحر ؛ فهو كالساعى فى الأرض بالفساد ، لا بعين (١) السحر.
أو كفر بسحره بعد الإسلام ؛ فيقتل كالمرتد عن الإسلام.
وما ذكر عنه : أنه لا يقتل ؛ فهو إذا لم يكن سحره سحر كفر ، ولا يسعى بالقتل فى الأرض لم يقتل به.
ثم قوله ـ فى الساعى فى الأرض بالفساد : إنه إذا تاب قبل أن يقدر عليه ، سقط عنه القتل ؛ فكذا الساحر.
وأما الذى هو لأجل الكفر يلزم القتل قبل التوبة ، بعد القدرة عليه.
وعلى هذا يخرج قوله فى الساحرة أيضا.
ففيما قال : إنها لا تقتل ؛ لما كان سحرها سحر كفر ، والنساء لا يقتلن للكفر.
وفيما قال : يقتلن ؛ فلأنهن يقتلن للسعى فى الأرض بالفساد كالرجل ، والله أعلم.
وقال بعض الناس : لا تقبل توبة الساحر. وهو غلط.
وأحقّ من يقبل توبته الساحر ؛ إذ هو أبلغ فى تمييز ما هو حجة مما لا حجة.
وهذا هو الأصل : أن المدّعى لشىء ـ على عهد الأنبياء ـ إذا استقبلهم بمثله الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ فهو أحق من يلزمهم الإيمان به ؛ لعلمهم بالحق منه.
والعوامّ منهم لا يعرفون إلا ظاهر ما يلزمهم ، من تصديق الحجج ، والله أعلم.
وقوله : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ) ـ فى الدنيا ـ (وَلا يَنْفَعُهُمْ) فى آخرتهم.
وقوله : (وَلَقَدْ عَلِمُوا).
يعنى : اليهود فى التوراة.
وقوله : (لَمَنِ اشْتَراهُ).
يعنى : اختاره للسحر.
وقيل : يتعلمون ما يضرهم فى آخرتهم ، ولا ينفعهم إن علموه.
__________________
(١) فى أ : بغير.