يسألون سؤال تعنت ، لا سؤال استرشاد واهتداء.
وقوله : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ).
قيل (١) : اختار الكفر بالإيمان.
وقيل (٢) : ومن يختر (٣) شدة الآخرة على رخائها وسعتها.
وفى حرف ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : «ومن يشتر الكفر بالإيمان» وذلك كله واحد.
وقوله : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
قيل (٤) : عدل عن الطريق.
وقيل (٥) : عدل عن قصد الطريق.
وقيل (٦) : أخطأ قصد طريق الهدى ، وكله واحد.
وقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً).
إنهم كانوا يجهدون كل جهدهم حتى يصرفوا ويردوا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم عن دين الله ـ الإسلام ـ إلى ما هم عليه ؛ كقوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران : ٦٩] ، وكقوله : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) [آل عمران : ١٠٠] ، وكقوله : (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٤٩].
وذلك ـ والله أعلم ـ لخوف فوت رياستهم التى كانت لهم ، وذهاب منافعهم التى ينالون من الأتباع والسفلة ، فودّوا ردّهم وصرفهم إلى دينهم.
ثم احتجت المعتزلة علينا بظاهر قوله تعالى : (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ، قالوا : دلت الآية على أن الحسد (٧) ليس من عند الله بما نفاه ـ عزوجل ـ عنه ، وأضافه إلى أنفسهم
__________________
(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).
(٢) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٨٧ ، ١٧٨٨). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠١).
(٣) فى ط : يختار.
(٤) قاله السدى ، أخرجه ابن أبى حاتم عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٢٠١).
(٥) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).
(٦) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).
(٧) الحسد : بفتح السين أكثر من سكونها ، وهو مصدر : حسد ، ومعناه فى اللغة : أن يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود. وأما معنى الحسد فى الاصطلاح فلا يخرج عن المعنى اللغوى.
والحسد إن كان حقيقيا ـ أى : بمعنى تمنى زوال النعمة عن الغير ـ فهو حرام بإجماع الأمة ؛ لأنه اعتراض على الحق ، ومعاندة له ، ومحاولة لنقض ما فعله ، وإزالة فضل الله عمن أهّله له ، ـ