يكون إلا من جوهره ، وإلى هذا يذهب الحسن (١).
والثانى : أن الخلة تقع لأفعال تكتسب ، وتسبق منه ، فيعلو أمره ، وترتفع مرتبته ؛ فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء ، وأما الولد فإنه لا يقع عن أفعال تكتسب ، بل بدو ما به استحقاقه يكون من مولده. وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١].
والثالث : ما قاله الراوندى : أنه لا بد من أن يدعى إلى التسمى ، أو إلى التحقيق ؛ إذ فى الخلة تحقيق ما به يسمى.
ثم لم يحتمل فى هذا تحقيق ما به يسمى ، والاسم لم يرد به الإذن ، وبالله التوفيق.
ويحتمل قوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وجها آخر ، وهو أن يقال : إن ما فى السموات وما فى الأرض ، كلهم عبيده وإماؤه ، فأنتم مع شدة حاجتكم إلى الأولاد لا تستحسنون أن تتخذوا عبيدكم وإماءكم أولادا ، فكيف تستحسنون ذلك لله ـ عزوجل ـ وتنسبون إليه مع غناه عنه؟ وبالله التوفيق.
وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ).
قيل فيه بوجوه :
قيل (٢) : إن كل من فى السموات والأرض من الملائكة ، وعيسى ، وعزير ، وغيرهم ـ من الذين قلتم : إنه اتخذهم ولدا ـ قانتون له ، مقرّون بالربوبية له ، والعبودية لأنفسهم له.
وقيل (٣) : (قانِتُونَ) : مطيعون ؛ أى : كلهم مطيعون متواضعون.
وقيل (٤) : القانت : هو القائم ، لكن القائم على وجهين : يكون القائم المنتصب على الأقدام ، ويكون القائم بالأمر والحفظ.
ثم لا يحتمل أن يراد بالقانت هاهنا : المنتصب بالقدم ؛ فرجع إلى الطاعة له وحفظ ما عليه ، وهو كقوله : (هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] من الحفظ والرزق.
ويحتمل : تنزيه الخلقة ؛ لأن خلقة كل أحد تنزه ربه عن جميع ما يقولون فيه.
أو أن يقال : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) فى الجملة ؛ كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧].
__________________
(١) فى أ : الحسين.
(٢) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٥٨). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٨).
(٣) قاله ابن عباس وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (١٨٥٢ ، ١٨٥٧). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٨).
(٤) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٥٩) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١٠٨).