وقوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
ابتدعهما ولم يكونا شيئا.
والبديع والمبدع واحد ؛ وهو الذى لم يسبقه أحد فى إنشاء مثله ؛ ولذلك سمى صاحب الهوى : مبتدعا ؛ لمّا لم يسبقه فى مثل فعله أحد.
ثم فيه الحجة على هؤلاء الذين قالوا : اتخذ الله ولدا ، يقول : إن من قدر على خلق السموات والأرض من غير شىء ، ولا سبب ، كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أب؟!
والثانى : أن يقال : إن من له القدرة على خلق ما يصعب ، ويعظم فى أعينكم ، بأقل الأحرف عندكم ـ كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أب؟!
وقوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ).
قيل (١) : وإذا حكم حكما : فإنما يقول له : كن فيكون.
وقيل : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ؛ يعنى قضى بإهلاك قوم واستئصالهم (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
ثم قوله : (كُنْ فَيَكُونُ).
ليس هو قول من الله : أن كن ـ بالكاف والنون ـ ولكنه عبارة بأوجز كلام ، يؤدى المعنى التام المفهوم ؛ إذ ليس فى لغة العرب كلام التحقيق بحرفين يؤدى المعنى المفهوم أوجز من هذا ، وما سوى هذا فهو من الصّلات ، والأدوات ، فلا يفهم معناها ، والله أعلم.
ثم الآية تردّ على من يقول : بأن خلق الشىء هو ذلك الشىء نفسه ؛ لأنه قال : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ذكر «قضى» وذكر «أمرا» ، وذكر «كن فيكون». ولو كان التكوين والمكون واحدا لم يحتج إلى ذكر كن فى موضع العبارة عن التكوين فال «كن» تكوينه ، فيكون المكون ؛ فيدل أنه غيره.
ثم لا يخلو التكوين : إما أن لم يكن فحدث ، أو كان فى الأزل.
فإن لم يكن فحدث ، فإما أن يحدث بنفسه ـ ولو جاز ذلك فى شىء لجاز فى كل شىء ـ أو بإحداث آخر ، فيكون إحداث بإحداث ، إلى ما لا نهاية له. وذلك فاسد ، ثبت أن الإحداث والتكوين ليس بحادث ، وأن الله تعالى موصوف فى الأزل أنه محدث ،
__________________
(١) قاله ابن جرير بنحوه (١ / ٥٥٦) وكذا البغوى (١ / ١٠٨).