وقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ).
قيل (١) : الابتلاء والامتحان فى الشاهد : استفادة علم خفى عليه من الممتحن والمبتلى به ، ليقع عنه علم ما كان ملتبسا عليه.
وفى الغائب لا يحتمل ذلك ؛ إذ الله ـ عزوجل ـ عالم فى الأزل بما كان ، وبما يكون فى أوقاته أبدا.
ثم يرجع الابتلاء منه إلى وجوه :
أحدها : أن يخرج مخرج الأمر بالشىء أو النهى عنه ، لكن الذى ذكر يظهر بالأمر والنهى ؛ فسمى ابتلاء من الله تعالى.
والثانى : ليكون ما قد علم الله أنه يوجد موجودا ، وليكون ما قد علم أنه سيكون كائنا.
وعلى هذا يخرج قوله : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [محمد : ٣١] ، حتى نعلمه موجودا ، كما علم أنه يوجد ؛ كما قال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الأنعام : ٧٣ ، التوبة : ٩٤ ، ١٠٥ ، الرعد : ٩ ، المؤمنون : ٩٢ ، السجدة : ٦] ، علم الغيب ، علم أنه موجد. وعلم الشهادة ، علم به موجودا ، حتى يوجد الذى علم أنه يجاهد منهم ـ مجاهدا ، و [الذى] يصبر منهم صابرا.
ثم اختلف فى الكلمات التى ابتلاه بها :
فقال بعضهم (٢) : الكلمات : هى التى ذكرت فى سورة الأنعام ، وهو قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) [الأنعام : ٧٦] ، ورأى القمر بازغا ، ورأى الشمس بازغة ، هى الحجج التى أقامها على قومه بقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣].
وقيل (٣) : ابتلاه بعشر ففعلهن : خمسة فى الرأس ، وخمسة فى الجسد.
لكن فى هذا ليس كبير حكمة ؛ إذ يفعل هذا كل واحد ، ولكنّ الحكمة فيه هى :
ما قيل : إن ابتلاءه بالنار ، حيث ألقى فيها ، فصبر ، حتى قال له جبريل : «أتستعين بى؟ قال : أمّا منك فلا» (٤).
__________________
(١) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١١١).
(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩٣٥ ، ١٩٣٦ ، ١٩٣٧ ، ١٩٣٨). وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٢).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩١٢ ، ١٩١٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢١٠).
(٤) قاله معتمر بن سليمان عن بعض أصحابه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٦٦٣).