وابتلى بإسكان ذريته الوادى ، الذى لا ماء فيه ، ولا زرع ، ولا غرس.
وابتلى بالهجرة من عندهم ، وتركهم هنالك ـ وهم صغار ـ ولا ماء معهم ، ولا زرع ، ولا غرس.
وابتلى بالهجرة إلى الشام.
وابتلى بذبح ولده.
ابتلى بأشياء لم يبتل أحد من الأنبياء بمثله ، فصبر على ذلك.
ففى مثل هذا يكون وجه الحكمة.
وفيه لغة أخرى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ) بالرفع (رَبُّهُ) بنصب الباء (١).
ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنه سأل ربه بكلمات فأعطاهن. وهو تأويل مقاتل. وهو أن قال : اجعلنى للناس إماما. قال : نعم. قال : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) ، قال : نعم قال : (وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، قال : نعم. قال : و (اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً).
قال : نعم. قال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). قال : نعم.
مثل هذا : سأل ربه هذا فأعطاهن إياه.
وقوله : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً).
يحتمل : جعله رسولا يقتدى به ؛ لأن أهل الأديان ـ مع اختلافهم ـ يدينون به ، ويقرون نبوته.
ويحتمل : إماما من الإمامة والخلافة.
وقوله : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
فإن قيل : كيف كان قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) جوابا لقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وكانت الرسالة فى ذريته ؛ كقوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨]؟
يحتمل قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : أحب أن تكون الرسالة تدوم فى ذريته أبدا ؛ حتى لا تكون بين الرسل فترات ؛ فأخبر أن فى ذريته من هو ظالم ، فلا ينال الظالم عهده.
ويحتمل : أن يكون سؤاله جعل الرسالة فى أولاد إسماعيل ؛ لأن العرب من أولاد إسماعيل ـ عليهالسلام ـ فأخبر أن فى أولاده من هو ظالم ؛ فلا يناله.
والعهد : ما ذكرنا ، هو الرسالة والوحى.
__________________
(١) ينظر : اللباب فى علوم الكتاب (٢ / ٤٤٥).