أقدرهم الله على الفعل ، حتى قدروا ؛ فجاز أن يكون له عليه قدرة.
وفى تحقيقها جواز خلق ذلك له ، ومثله فى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يحتمل ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
أى : لا شىء يعجزه ، والعزيز بذاته ، وكل شىء دونه غير عزيز ، ذليل.
وقيل (١) : العزيز : المنيع.
وقيل (٢) : العزيز : المنتقم من أعدائه.
والحكيم : هو المصيب فى فعله. والحكيم فى أمره ونهيه. والحكيم هو الذى أحكم كل شىء جعله دليلا (٣) على وحدانيته.
ثم ذكر بعض المفسرين علل المناسك فقال : سميت العرفات عرفات ؛ لما قيل له : عرفت. ومنّى ؛ لما قيل له : تمنّه. ورمى الجمار ؛ لما استقبل لإبراهيم الشيطان فرمى.
فهذه العلل لا تطمئن بها القلوب ، وتنفر عنها الطباع ، ألا ترى أنه ذكر فى قصة آدم فعل ذلك جملة ؛ فزال المعنى الذى ذكر فى إبراهيم عليهالسلام؟!
ثم قد ذكر فى الخبر أن الملائكة قالت لآدم : حججناها قبلك بألفى عام ؛ فثبت أنهم قد فعلوا هذا كله.
ثم يمكن نصب الحكمة فيه من طريق العقل ، وهو أن الحج قصد لزيارة ذلك المكان ؛ فأمر بمختلف الأفعال الواقع بها الزيارة.
كالصلاة : إنها الخضوع لعينه ؛ ولذلك أمر فيها بإحضار الأفعال المختلفة من حال الخضوع.
ثم المرء قد يخضع مرة بالقيام ، ومرة بالركوع ، ومرة بالسجود. أمر بإحضار مختلف الأفعال التى فيها الزورة.
غير أن الصلاة تخالف الحج ؛ فلأن أفعالها فعل المعاش أمر فيها بإحضار حالة تذكره الخضوع ، والوقوف لله ، مفرقا بين تلك الحالة وحالة المعاش ؛ ولهذا تقضى فى كل مكان.
ثم أفعال الحج فى ظاهرها إلى أفعال المعاش ، وما إليه وقع القصد ـ لا عينها ـ غير
__________________
(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١١٧).
(٢) ينظر التخريج السابق.
(٣) زاد فى أ : به.