وقوله : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
هذا على المعتزلة ؛ لأنه أخبر عزوجل أنه (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، ولا جائز أن يهدى وهو لا يهتدى. وهم يقولون : شاء أن يهدى ولكن لم يهتدوا.
قوله : (مَنْ يَشاءُ) على (١) أن مشيئة الهداية ليست للكل على ما قالت المعتزلة : أن هدايته بيان وذلك للجميع.
وفيه دليل نسخ السنة بالكتاب ؛ لأن القبلة إلى بيت المقدس لم تكن مذكورة فى الكتاب ، بل عملوا على سنة الأولين الماضين ، وهذا على الشافعى ؛ لأنه لا يرى نسخ الكتاب بالسنة إلا بعد عمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا عمل به صار سنة ، فهو نسخ السنة بالسنة ، لا نسخ بالكتاب.
فهذا منه قبيح فاحش.
وفيه نبذ الكتاب وهجره ، وقد نهينا عنه ، والتحكم على الله عزوجل ؛ لأنه لم يجعل الكتاب من القدر ما يقع فيه الزجر على ما كان عليه آنفا لو لا علمه (٢) صلىاللهعليهوسلم. فنعوذ بالله من السرف فى القول والزيغ عن الهدى.
ولكن لم يعرف ما النسخ وما قدره ، ولو علم لما قال بمثله. وهو عندنا : ما ذكرنا (٣) من بيان منتهى الحكم إلى وقته ، ولله جل جلاله نصب الأحكام والشرائع فى كل وقت ، يبين ذلك مرة بالكتاب ، وتارة على لسان المصطفى صلىاللهعليهوسلم. وبالله التوفيق.
وكما (٤) جعل له صلىاللهعليهوسلم أن يعمل به ، فنسخ الكتاب فيه تلك الشريعة. فكذلك فى غيره من الناس. والله أعلم.
وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)
(وَكَذلِكَ) ، لا يتكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا على العطف على ما سبق من الخطاب ، وهو ـ والله أعلم ـ معطوف على قوله : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ ...) الآية [١٣٦] ، كأنه قال : كما وفقكم على الإيمان بما ذكر ، وهداكم للإسلام ، كذلك جعلكم (أُمَّةً وَسَطاً) يعنى عدلا ، (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ).
__________________
(١) فى ب : إلى.
(٢) فى ب : عمله.
(٣) فى أ : ذكر.
(٤) فى ب : ولما ..