قال الشيخ ـ رضى الله تعالى عنه ـ : وفى قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، وجهان :
أحدهما : على الكفرة. وفى ذلك دليل قبول شهادة المسلمين عليهم ، ورد شهادتهم عليهم ، لما يتناقض فيزول منفعة الشهادة عليهم.
والثانى : ليكون من شهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، شهود على من يكون بعدهم.
وفى ذلك دليل من تأخر الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، عن الخلاف لهم ، (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) إذا خالفتموه وعصيتموه.
وقوله : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ).
فهذا ـ والله أعلم ـ لما كانوا فى المتابعة على قسمين :
منهم من تبعه لما وافق هواه.
ومنهم من تبعه لما علم أنه الحق من عند الله عزوجل ؛ ليبين (١) لهم ويقع علم ذلك عندهم : من المتبع له بهواه ، ومن المتبع له بالأمر والطاعة له.
وقيل أيضا فى قوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) ، قيل : ليعلم من يتبع الرسول ما قد علم أنه يكون كائنا ، وليعلم ما قد علم أنه يوجد موجودا.
وقيل : إنه يجوز أن يراد بالعلم المعلوم. معناه ـ والله أعلم ـ إلا ليكون المتبع له ، والمنقلب على عقبيه.
ثم الأصل فى هذا ونحوه من قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١] ، أنا لا نصف الله تعالى بالعلم فى الخلق ، قال : غير الحال التى الخلق عليها ؛ لأن وصفنا إياه بالعلم على غير الحال التى عليها الخلق يومئ إلى وصفه بالجهل ؛ لأنه لا يجوز أن يقال : يعلم من الساكن فى حال السكون حركة ، أو السكون فى حال الحركة ، أو يعلم من الجالس قياما ، أو القائم (٢) جلوسا.
وكذلك لا يجوز أن يقال : يعلم من العدم موجودا ، أو من الوجود معدوما فى حال وجوده ؛ لأنه وصف بعلم ما ليس ، وهو محال. وبالله العصمة.
وقيل : إن كل علم يذكر على حدوث المعلوم يذكر بذكر الوقت للمحدث ـ بفتح الدال ـ أى : يسند علمه إلى المحدث بذكر الوقت ؛ لئلا يفهم بذكره قدم المعلوم فى
__________________
(١) فى أ : فامتحنهم الله عزوجل ليبين.
(٢) فى أ ، ط : النائم.