من أهل الشهادة. فإذا اجتمعوا على شىء وشهدوا به ، لزم قبول ذلك ، والحكم بما شهدوا ، والشهادة فيه أنه من عند الله وقع لهم ذلك.
والثانى : قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٩] ، أخبر الله عزوجل أن فيهم صدقة ، يلزم اتباعهم.
والثالث : ما قال عزوجل : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥] ولا يجوز الوعيد فى مثله إذا لم يكن ذلك هو الحق عند الله.
والرابع : قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩] ، أمر عزوجل عند التنازع الرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ فدل أنه إذا لم يتنازع لم يجب الرد إلى ما ذكر. والله أعلم.
وقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، روى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : يسأل الله تعالى يوم القيامة الأمم عن تبليغ الأنبياء رسالته إليهم ، فينكرون. ثم يأتى بهذه الأمة يشهدون عليهم بالتبليغ. فذلك قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، ويشهد الرسول عليهم يعنى لهم بالعدالة والتزكية. والله أعلم.
__________________
ـ ببدعتهم ، فإن كفروا بها كالرافضة الغالين فلا يعتد بهم ، وأما أصحاب البدعة غير المكفرة أو الفسق فإن الاعتداد بخلافهم أو عدم الاعتداد فيه خلاف وتفصيل بين الفقهاء والأصوليين.
وذهب قوم إلى أن العبرة باتفاق الخلفاء الراشدين فقط ؛ لما ورد عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى ، عضوا عليها بالنواجذ». وهذا خبر آحاد لا يفيد اليقين ، وعلى فرض التسليم فإنه يفيد رجحان الاقتداء بهم لا إيجابه.
وقال قوم : إن الإجماع هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم ، وهذا ظاهر مذهب مالك فيما كان سبيله النقل والتواتر ، كبعض أفعاله صلىاللهعليهوسلم : كالأذان والإقامة وتحديد الأوقات وتقدير الصاع والمد ، وغير ذلك مما يعتمد على النقل وحده لا على الاجتهاد ، وما سبيله الاجتهاد فلا يعتد عنده بإجماعهم.
وقد اتفق الأصوليون على أن الإجماع ممكن عقلا ، وذهب جمهورهم إلى أنه ممكن عادة ، وخالف فى ذلك النظّام وغيره. وخالف البعض فى إمكان نقله. ينظر : إرشاد الفحول للشوكانى ص (٧٣).
والإجماع حجة قطعية على الصحيح ، وإنما يكون قطعيا حيث اتفق المعتبرون على أنه إجماع ، لا حيث اختلفوا ، كما فى الإجماع السكوتى وما ندر مخالفه. ينظر : شرح جمع الجوامع وحاشية البنانى عليه (٣ / ٢٢٤).
(٤) فى ب : جعل هذه الإجماع.
(١) أخرجه ابن جرير بنحوه (٢٢٠٣).