قولوا ذلك ، لا أن هذا المعنى مما يحتمل أن يكون يعقوب لا يحققه ، بل حققه بقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف : ٨٣] وقوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [يوسف : ٨٦].
(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] وهو مع ذلك قد كان بما أخبره يوسف ، وبما أوحى إليه أنه قد علم أنه لم يهلك بعد ، ولم يوجد منه إلى حيث يرجع هو إليه من البعث بعد الموت. ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) ، قيل : الصلاة من الله عزوجل يحتمل وجوها :
يحتمل (١) : الرحمة والمغفرة.
ويحتمل : الصلاة منه ـ مباهاته الملائكة ؛ جوابا لهم لما قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ، كيف قلتم هذا؟ وفيهم من يقول كذا.
وقيل : الصلاة منه : الثناء عليهم. وأى كرامة تبلغ كرامة ثناء الله عليهم.
[وقوله (وَرَحْمَةٌ) قال بعضهم الرحمة والصلاة واحد وهو على التكرار ، وقيل : الرحمة : النعمة وهى الجنة](٢)
وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
شهد الله عزوجل بالاهتداء لمن فوض أمره إلى الله تعالى ، ويسلم لقضائه وتقديره السابق وهو كائن لا محالة ؛ كقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [الحديد : ٢٢].
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) يبلوهم بالذى كان به عالما ليكون به ما علمه يكون بالأمر والنهى بحق المحنة ، وهو كما يستخبر عما هو به خبير ، مع ما كانت المحنة فى الشاهد لاستخراج الخفيات يكون بالأمر والنهى ، فاستعملت فى الأمر والنهى ، وإن كان لا يخفى عليه شىء ، بل هو كما قال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الأنعام : ٧٣]. ثم له جعل الغيب شاهدا ، فجرت به المحنة ، ليعلم ما قد علمه غائبا شاهدا ، إذ هو موصوف بذلك فى الأزل. وبالله التوفيق.
ثم كان العبد بجميع ما هو له من السعة والسلامة فهو لله فى الحقيقة ، لكنه بفضله
__________________
(١) قاله ابن جرير (٢ / ٤٥) ، والبغوى (١ / ١٣١).
(٢) ما بين المعقوفين سقط فى ط.