الخلق وجميع معايبهم. يقال : فلان واحد زمانه. يراد لارتفاع أمره وعلو مرتبته ، لا بحيث العدد ، إذ بحيث العدد مثله كثير.
وقوله : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، فيه إثبات إله واحد ، وفى قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) نفى غيره من الآلهة.
فإن قيل : لم كان هذا دليلا؟ وهو فى الظاهر دعوى.
قيل له : دليل وحدانيته فى قوله :
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
خلق السموات وجعل فيها منافع ، وخلق الأرض وجعل فيها منافع للخلق ، ثم جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض لبعد ما بينهما ؛ إذ لا منفعة للخلق فى منافع إحداهما إلا باتصال منافع الأخرى بها من نحو ما جعل من معرفة الطرف فى الأرض بالكواكب ، وإنضاج الأعناب والثمار وينعها بالشمس والقمر ، وجعل إحياء الأرض وإخراج ما فيها من النبات من المأكول والمشروب والملبوس بالأمطار ؛ فدل اتصال منافع أحدهما بالآخر وتعلقها به على أن منشئهما واحد ؛ لأنه لو كان من اثنين لكان إذا قطع هذا وصل الآخر ، وإذا وصل هذا قطع الآخر. فإذ لم يكن ، ولكنه اتصل ، دل أنه فعل واحد ، فهو ينقض على الثنوية والزنادقة قولهم.
وكذلك يدل اختلاف الليل والنهار على أن خالقهما واحد ؛ لأنه لو كان اثنين لكان إذا أتى هذا بالليل منع الآخر بالنهار ، وإذا أتى أحدهما بالنهار منع الآخر بالليل.
وفيه ذهاب عيش الخلق ، وفى ذهابه تفانيهم وفسادهم. فدل أنه واحد.
والثانى : أنه جعل للخلق فى الليل والنهار منافعا ، وجعل بعضها متصلة ببعض متعلقة مع تضادهما ، كقوله : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص : ٧٣]. فدل اتصال منافع أحدهما بالآخر مع اختلافهما وتضادهما أن محدثهما واحد.
وفيه دلالة حدوث العالم ؛ لما ذكرنا من تغييرها وزوالها من حال إلى حال. [فدل تغييرها وزوالها على إنما حدث زوال مثل هذه الأشياء](١) بابتدائها وعجزها على قدرة مثلها على أن لها محدثا.
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين فى ط : ودل أنه جهل هذه الأشياء.