على ما أباح لكم من الطيبات.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
أى : إن كنتم منه ترون ذلك.
ويحتمل : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أى إياه توحدون.
ويحتمل : (إِنْ كُنْتُمْ) ممّن تعبدونه ـ إياه تقصدون ـ فاجعلوا عبادتكم له خالصة ، لا تعبدوا غيره ليكون له. ولا قوة إلا بالله.
وقيل : «إن» بمعنى : إذ آثرتم عبادته فاشكروا له.
ويحتمل قوله : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) على جميع ما أنعم عليكم من الدين ، والنبى ، والقرآن وغير ذلك من النعم ، أى : كونوا له شاكرين.
وقوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ).
ذكر «الميتة» فمعناه : حرم عليكم الأكل من الميتة والتناول منها ، فإذا كان كذلك فليس فيه حرمة ما لا يؤكل والانتفاع به من نحو الصوف ، والشعر ، والعظم ونحوه.
ألا ترى أن هذا إذا أريد من الشاة وهى حية وأبين منها لم تصر ميتة لا يجوز الانتفاع به ، وغيره من اللحم إذا أبين منها صار ميتة (١) ؛ لما روى فى الخبر : «ما أبين من الحى
__________________
(١) إن العضو الذى يبان من الحيوان ـ أى يفصل منه ـ يختلف الحكم الشرعى فى حلّ أكله وحرمته بحسب الأحوال. وتفصيل ذلك كما يلى :
أ ـ العضو المبان من حيوان حى : يعتبر كميتة هذا الحيوان فى حل الأكل وحرمته ، فالمبان من السمك الحى أو الجراد الحى يؤكل عند الجمهور ؛ لأن ميتتهما تؤكل. والمالكية يقولون فى الجراد : إن كانت الإبانة خالية عن نية التذكية ، أو خالية عن التسمية عمدا لم يؤكل المبان ، وإن كانت مصحوبة بالنية والتسمية أكل المبان إن كان هو الرأس ، ولا يؤكل إن كان جناحا أو يدا أو نحوهما. والمبان من سائر الحيوانات البرية ذات الدم السائل لا يؤكل ، سواء أكان أصله مأكولا كالأنعام ، أم غير مأكول كالخنزير ؛ فإن ميتة كل منهما لا تؤكل بلا خلاف ، فكذلك ما أبين منه حيا ، فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة».
ب ـ العضو المبان من الميتة : حكمه حكم سائر الميتة فى الأكل وعدمه بلا خلاف.
ج ـ العضو المبان من المذكّى المأكول فى أثناء تذكيته قبل تمامها : حكمه حكم المبان من الحى. فلو قطع إنسان حلقوم الشاة وبعض مريئها للتذكية ، فقطع إنسان آخر يدها أو أليتها ، فالمقطوع نجس حرام الأكل ، كالمقطوع من الحى ، وهذا لا خلاف فيه أيضا.
د ـ العضو المبان من المذكى المأكول بعد تمام تذكيته وقبل زهوق روحه : يحل أكله عند الجمهور ؛ لأن حكمه حكم المذكى ؛ لأن بقاء رمق من الحياة هو رمق فى طريق الزوال العاجل ، فحكمه حكم الموت.
ه ـ العضو المبان من المصيد بآلة الصيد : إما أن يبقى المصيد بعد إبانته حيّا حياة مستقرة ، وإما أن تصير حياته حياة مذبوح : ففى الحالة الأولى : يكون عضوا مبانا من حيوان حى ؛ فيكون كميتته. وفى الحالة الثانية : يكون عضوا مبانا بالتذكية ، ويختلف النظر إليه ؛ لأن له صفتين شبه متعارضتين : ـ