فالمحرم من الدماء المسفوح وهو السائل. ألا ترى أن الشاة إذا ماتت صارت ميتة بهلاك ذلك المحرم من الدم فيها؟!
وقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
واختلف فيه على أوجه :
قيل : قوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) هو تفسير قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) ، وهو كقوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥] ، فصار قوله : (غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) تفسير قوله : (مُحْصَناتٍ) ؛ لأنها إن كانت محصنة كانت غير مسافحة ولا متخذة الأخدان. فعلى ذلك إن كان مضطرّا كان غير باغ ولا عاد. والله أعلم.
وقيل (١) : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ) أى غير مستحل لتناوله ، (وَلا عادٍ) بعدو على أكله للجوع.
وقيل (٢) : (غَيْرَ باغٍ) غير متجاوز حده ، (وَلا عادٍ) ولا مقتصر نهايته.
[وقيل : (غَيْرَ باغٍ) فيه (وَلا عادٍ) على حد الله إذ حرمه عليه فى غير حال الاضطرار ، فيصير باغيا فى الأكل ، عاديا على حد الله.
وقيل (٣) : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) فى مجاوزته فى أكل الحد المجعول له من إقامة المهجة ودفع الضرورة ، فأكل بشهوة أو لحاجة غير حاجة الجوع خاصة.
وقيل (٤) : (غَيْرَ باغٍ) على المسلمين ، (وَلا عادٍ) عليهم](٥).
[لكن تصريح النهى عن الانتفاع بالشىء وحرمة هتكها صاحبها نهى عما هتك لا عما كان مباحا لهم كما روى عن نبى الله صلىاللهعليهوسلم «لا صلاة للمرأة الناشزة ولا للعبد الآبق» وذلك نهى عن الإباق والنشوز لا عن الصلاة ، فمثله لو كان نهيا ، فكيف ولا نهى؟! ولكن ذكر إباحة على صفة لم يذكر الحل والتحريم فى الابتداء مع تلك الصفة وجملته أن بغيه لا يحرم ما قد أحل بالخبر هو بالاتفاق ؛ فكذلك ما أحل بالسبب ، دليل ذلك : أمر الكفرة وسائر الفسقة أنه لم يحرم بينهم شىء من ذلك.
__________________
(١) قاله مقاتل بن حيان كما فى تفسير البغوى (١ / ١٤١).
(٢) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٤١).
(٣) قاله السدى بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠١).
(٤) قاله مجاهد كما فى الدر المنثور للسيوطى (١ / ٣٠٨) ، وعزاه لسفيان بن عيينة ، وآدم ابن أبى إياس وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبى الشيخ والبيهقى فى المعرفة والسنن ، عنه.
(٥) ما بين المعقوفين سقط فى أ.