جنة ، أهل جماعة وسنة ، ومعروف وصدقة ، وحزم وهمة ، غير أن في أهلها وهوائها بردا ، جفاة مع الغرباء ، بلية في الشتاء ، يشغبون على الأمراء ، وفيهم نفخ وعجب ومراء ، جيدة الجواري ردية الغلمان (١).
وليس غريبا أن تكون سمرقند بهذا الوصف ، فقد ذكر أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن مدينة خلف نهر جيحون تدعى سمرقند ، ثم قال : لا تقولوا : سمرقند ، ولكن قولوا : المدينة المحفوظة ، فقال أناس : يا أبا حمزة ما حفظها؟ فقال : أخبرني حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن مدينة بخراسان خلف النهر تدعى المحفوظة ، لها أبواب على كل باب منها خمسة آلاف ملك يحفظونها يسبحون ويهللون ، وفوق المدينة خمسة آلاف ملك يبسطون أجنحتهم على أن يحفظوا أهلها ، ومن فوقهم ملك له ألف رأس وألف فم وألف لسان ينادي : يا دائم ، يا دائم ، يا الله يا صمد ، احفظ هذه المدينة ، وخلف المدينة روضة من رياض الجنة وخارج المدينة ماء حلو عذب ، من شرب منه شرب من ماء الجنة ، ومن اغتسل فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وخارج المدينة على ثلاث فراسخ ملائكة يطوفون يحرسون رساتيقها ، ويدعون الله بالذكر لهم ، وخلف هؤلاء الملائكة واد فيه حيات وحية تخرج على صفة الآدميين ، تنادي يا رحمان الدنيا ورحيم الآخرة ، ارحم هذه المدينة المحفوظة ، ومن تعبد فيها ليلة تقبل الله منه عبادة سبعين سنة ، ومن صام فيها يوما فكأنما صام الدهر ، ومن أطعم فيها مسكينا لا يدخل منزله فقر أبدا ، ومن مات في هذه المدينة فكأنما مات في السماء السابعة ويحشر يوم القيامة مع الملائكة في الجنة.
وزاد حذيفة بن اليمان في رواية : ومن خلفها قرية يقال لها : قطوان يبعث منها سبعون ألف شهيد كل شهيد منهم في سبعين من أهل بيته (٢).
وهذا الحديث في كتاب الأفانين للسمعاني (٣) ، بيد أني لم أعثر له على إسناد ولم أجده في كتب الحديث المعتمدة.
وللحق فقد كثر الواصفون لسمرقند حتى لقد استهوت الشعراء واستحفزت قريحتهم ، منهم أحد ظرفاء العراق الذي كتب :
وليس اختياري سمرقند محلة |
|
ودار مقام لا اختيار ولا رضا |
__________________
(١) ينظر : السابق (ص ٣٩١) نقلا عن كتاب أحسن التقاسيم للمقدسي (ص ٣٣٨ ، ٣٣٩).
(٢) ذكر أيضا ياقوت الحموي في معجم البلدان (٣ / ٢٨٢) وعزاه للسمعاني في الأفانين.
(٣) ينظر : الموسوعة الذهبية (ص ٣٩٤ ، ٣٩٥).