معلومة من الدين بالضرورة لا يسع مسلما إنكارها أو التشكيك فيها ، «فلم يكن الاختلاف في وحدانية الله تعالى وشهادة أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا في أن القرآن نزل من عند الله القدير ، وأنه معجزة النبي الكبرى ، ولا في أنه يروى بطريق متواتر نقلته الأجيال الإسلامية كلها جيلا بعد جيل ، ولا في أصول الفرائض كالصلوات الخمس والزكاة والحج والصوم ، ولا في طريق أداء هذه التكليفات ، وإنما الاختلاف في أمور لا تمس الأركان ولا الأصول العامة» (١).
وغني عن البيان أن شيئا من الخلاف بين المسلمين لم يقع إبان عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فقد كان المسلمون على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه ، غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا» (٢).
ولا غرابة في ذلك ؛ إذ كان الرسول صلىاللهعليهوسلم يوضح للصحابة ما تشابه عليهم من مسائل الدين ، ويجيب عما يطرح عليه من أسئلة جوابا يلقي في ضمير السائل برد اليقين ويقطع من نفسه وعقله دواعي الحيرة والاضطراب.
ويوشك الإجماع أن ينعقد على أن أول خلاف حقيقي واجه الجماعة الإسلامية ظهر بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وهو خلافهم حول الإمامة ، حيث سارع الأنصار إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة للنظر في أمر الإمامة وتعيين من يخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولما يوار التراب بعد جسده الطاهر ، وأذعنت الأنصار إلى البيعة لسعد بن عبادة سيد الخزرج غير مدافع ، ولم يرتب الأنصار في أن الإمامة حق لهم ، ولا ينبغي أن تخرج عنهم إلى إخوانهم المهاجرين ، ولم يعدموا من الأدلة الواضحة والبراهين المفحمة ـ في نظرهم ـ ما يسوقونه بين يدي رأيهم ذاك ، «فإن محمدا صلىاللهعليهوسلم لبث في قومه في مكة نحو ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ، فما آمن منهم إلا قليل ، ولا منعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأذى ولا أعزوا الدين ، فلما هاجر من مكة إلى المدينة نصره الأنصار وآمنوا به وأعزوا دينه ومنعوه وصحبه ممن أراد بهم سوءا وكانوا معه على عدوه حتى خضعت له جزيرة العرب ، وتوفي صلىاللهعليهوسلم وهو عنهم راض ، وبهم قرير العين ، فهم أولى الناس أن يخلفوه» (٣).
بيد أن «نظرية الأنصار» تلك وجدت إنكارا ومعارضة من المهاجرين ؛ إذ لم يكد خبر السقيفة ينتهي إلى أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ حتى قصدا نحو مجتمع الأنصار في
__________________
(١) الإمام محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية ، ص ١١.
(٢) أبو منصور عبد القاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، دار التراث ، القاهرة ، ص ٣٥.
(٣) أحمد أمين ، فجر الإسلام ، الهيئة العامة للكتاب ، ص ٤٠١.