داعين انتهى. وقيل معناه ذاكرين الله في قيامكم وقيل الدعاء وقيل السكوت وكانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت الآية ونهوا عن ذلك ، رواه الجصاص عن أبي عمرو الشيباني وأطال الكلام في ذلك وأصر عليه ونقل أحاديث كثيرة في النهي عن الكلام في أثناء الصلاة وليس في هذه الأحاديث في تفسير الآية من شيء إلا حديث أبي عمرو الشيباني وروي عن عبد الله بن مسعود أنا كنا نسلم على رسول الله في أثناء الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فلما رجعت سلمت عليه فلم يرد علي فذكرت ذلك له فقال ان الله يحدث من أمره ما يشاء وانه قضى ان لا يتكلموا في الصلاة. فلا يخفى خروج ذلك كله عن حريم الآية وتفسيرها والذي يحل العقدة ويحسم أصل الشبهة ما ذكرناه في صدر البيان أن الآية الكريمة تذكر وإرشاد وحث على المراقبة والمحافظة على الصلوات المكتوبات وخاصة الوسطى منها وأن يقوموا في هذه الصلوات أو الأعم منها قانتا مخلصا حنيفا وليست الآية في مقام جعل الصلاة ولا جعل الشرطية للقيام وجزئية القنوت لها وتقييد القنوت بالقيام والقيام بالقنوت فالمراد من القيام هو الصلاة والقنوت نعت لها مطلقا قائماً راكعا ساجدا مسبحا مذكرا قارئاً قال تعالى (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (زمر ٩). في تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال الصلاة الوسطى الظهر (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها ولا يشغله شيء.
وفيه أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث الى ان قال (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) في الصلاة الوسطى ـ الى ان قال ـ قال (قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) مطيعين راغبين.
قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). بعد تشديد الأمر بالمواظبة والمراقبة في شأن الصلوات سيما الوسطى والتذكر والإرشاد بخطر الموقف والتحذير عن الإضاعة والاستخفاف بها وشئونها والإتيان بجميع أجزائها وشروطها مستوفاة قانتا مطمئنا راغبا أجاز ورخص تعالى في حال الخوف المشي والركوب في حال الصلاة والخوف في المقام شامل لجميع أنواع الخوف العدو واللص والسبع وغيرها ولم يذكر تعالى في هذه الآية غير الترخيص في المشي والركوب في حال الصلاة ولم يبين طور الصلاة وعدد ركعاتها فان هذا الإرفاق والترخيص بالنسبة إلى التشديد المذكور في الآية واما غيره من التخفيف في بقية الصلوات لا بد من التماس ذلك من أدلة أخرى قال تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية (النساء ١٠١).
فقد اختلفوا في دلالة هذه الآية على وجوب قصر الصلاة بمجرد الخوف في