كما هو سنة القرآن الكريم في تحقيق الحقائق أو تلك النعوت سيقت للتقدير من المؤمنين والتشكر من مساعيهم الجميلة ومحامدهم الجليلة والحكم بفلاحهم. الظاهر هو الثاني فليس سوق هذه الصفات الكريمة الا للترفيع بشأنهم والفهم بقدس مقامهم لا لتحقيق معنى الايمان وبيان دعائمه وأصوله وأجزائه أو شرائطه. فإن جملة من تلك النعوت من المستحبات والتصريح في آخرها بثوابهم والنيل بكرامات ربهم أصدق شاهد على المدعى.
قوله تعالى (فِي صَلاتِهِمْ) أضاف تعالى الصلاة الى المؤمنين لبيان اختصاصهم بها وقيامهم بحقها واصطبارهم عليها حين غفل عنها المترفون واعرض عنها المستكبرون.
قوله تعالى (خاشِعُونَ) الخشوع في الصلاة قلبا وقالبا وروحا وبدنا قد وردت في روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) وتكلم فيها فقهائهم قدس الله أسرارهم. والآية الكريمة بإطلاقها تشمل كثيرا من تلك الفروع المذكورة الخشوع بالقلب والخشوع بالبصر والخشوع في النظر. فان لكل من ذلك الذي ذكرنا خشوعا يناسبه قال في القاموس والخشوع في الصوت والبصر التذلل والسكون انتهى. فالخشوع يتصف به القلب قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) فأدنى الخشوع في القلب إحساس الحاجة والافتقار الى الله سبحانه والشعور والاستشعار بعظمته بحيث يجتمع فيه الرغبة والرهبة والخوف والطمع ويتصف به الصوت. قال تعالى (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (طه ١٠٧) فالخشوع في الصوت غضة مقابل الإجهار والخشونة به كما نصت به الآيات الكريمة في أدب المكالمة مع رسول الله (ص).
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) ـ الآية (حجرات ٤) ويتصف به البصر قال تعالى (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (القلم ٤٣). قال (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) (القمر ٧).
فالخشوع في البصر غضه في مقابل رفعه روي في كنز العرفان مرسلا كان رسول الله (ص) يصلي رافعا نظره الى السماء فلما نزلت التزم ببصره الى موضع سجوده وفي معناه روايات أخرى عن أهل البيت (ع) في الوسائل عن الكافي مسندا عن زرارة عن أبي جعفر (ع) الى أن قال «واخشع ببصرك ولا ترفعه الى السماء وليكن حذاء وجهك موضع سجودك».