مقام الأداء في موقف القضاء فيشهدون بالحق والصدق في موطن القضاء طبق ما عرفوا وعاينوا من ذنوب المجرمين وحسنات المحسنين فعلى عهدة المفسر التفكيك بين المقامين والتحفظ على كلا المعنيين وعدم خلط أحدهما بالآخر»
قال تعالى (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) النساء ـ ٤١ وغيرها من الآيات.
فتحصل في المقام ان قوله تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) استثناء من قوله تعالى (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ) الآية وضروري ان الاستثناء من النفي المطلق إثبات لشيء من الأمر المنفي فالآية الكريمة صريحة في إثبات الشفاعة اي شفاعة الذين أكرمهم الله وأيدهم بروح القدس وأفاض عليهم من العلم من يشهدون من أعمال العباد في الدنيا ويشهدون لهم أو عليهم في الآخرة فهؤلاء شفعاء دار البقاء وشهداء دار الفناء.
وحيث ان الآية في إبطال مقالة المشركين من شفاعة ما يدعون من دون الله فالحصر متوجه الى الشافعين دون المشفوعين.
قال في المجمع ج ٩ ص ٥٩ وقيل معناه لا يملك من الملائكة وغيرها الشفاعة (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) اي يشهد ان لا إله إلا الله انتهى.
أقول لا يخفى ضعفه بعد الإحاطة بما ذكرناه وكذلك ضعف ما يقال في تفسير قوله تعالى (يَعْلَمُونَ) اي يعلمون بقلوبهم ما يشهدون بألسنتهم وفي هذا دلالة على ان حقيقة الإيمان هو الاعتقاد بالقلب والمعرفة انتهى.
أقول وجه الضعف في الأول ان فيه توجه الحصر الى المشفوعين اي ان هذه الالهة لا يملكون الشفاعة للمشركين الذين يعبدونها من دون الله وانما يملكون الشفاعة للمؤمنين الموحدين فقط وهذا كما ترى خلاف صريح السياق على ما عرفت ان الآية في مقام إبطال مقالة المشركين من إثبات حق الشفاعة لأصنامهم وآلهتهم وحصر الشفاعة بعباد الله المقربين الذين ألحدوا بعباداتهم الغالون.
ووجه الضعف في الثاني ان قوله (يعلمون ويشهدون) ان كان مراد القائل أن ضمير الفاعل في (يعلمون ويشهدون) راجع الى الشافعين كما هو الظاهر