اي المكاره والمصائب الواردة على الإنسان يؤذيه ويؤلمه واسم فاعل على وزن فعلية مأخوذ من الفعل اللازم والمراد في دعائهم ان يحفظهم الله في مواقف القيامة من كل بلية وكريهة وقد اشتبه الأمر على بعض المفسرين وزعم أن المراد بالسيئات المعاصي وحاول في المقام ان المراد جزاء السيئات وعذابها بحذف المضاف وغفل ان السوء ما يقابل الحسن وبالفارسية (بدو خوب) فالمعاصي والذنوب من مصاديق السيئات لا انها معناه لغة فالسيئة بمعناه العام الوسيع يشمل البلايا والمصائب والمكاره والعذاب وغيرها فعلى عهدة المفسر التحري في كل مورد ومورد وتعيين المراد بحسب السياق وبقرائن المقام قال تعالى (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) اي الرخص والرفاه (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) الآية أعراف ١٣١ اي القحط والغلاء والبلاء وهكذا ومما ذكرنا تعرف ضعف الأقوال المذكورة في المقام من أرادها فليراجعها فالمتحصل في المقام ان الآيات الكريمة ناصة في طلب المغفرة والوقاية من عذاب الجحيم ودخول الجنة والوقاية من السيئات وصريحة في جواز الشفاعة وقبولها ورضائه تعالى بذلك والآيات مطلقة بالنسبة إلى المشفوعين سواء كانوا أمواتا في الدنيا والآخرة وفي أي مواقف الآخرة على ما سيجيء تفصيله إن شاء الله.
فان قلت كيف يستقيم الاستغفار والشفاعة للذين تابوا واتبعوا سبيل الرشد والصلاح والتائبون يقبل الله توبتهم ويغفر ذنوبهم من غير شفاعة وكذلك الذين وعدهم الله سبحانه لهم ان يدخلهم الجنة والقيام بالوعد واجب على الله فلا يبقى مورد للشفاعة قلت :
أولا : ـ ان الظاهر من التوبة في المقام هو التوبة عن الكفر واتباع سبيل الله اي الإسلام الذي ارتضاه دينا لأنبيائه ورسله وهكذا الظاهر من وعده تعالى لهؤلاء التائبين التابعين انما هو بتركهم الكفر واختيارهم الايمان وأتباعهم سبيل الحق يكون الشفاعة لهم التائبون والتابعون بالمعنى الذي ذكرناه لا التوبة عن الذنوب فقط بعد الايمان وكذلك ما وعدهم الله الجنة بايمانهم بالله سبحانه بالشرائط المقررة في بابه فلا تنافي بين هذه الآيات وبين الآيات الدالة على أن مورد الشفاعة هو المؤمن المجرم.
وثانيا : ـ نقول ان الله سبحانه مالك العفو ووليه فله تعالى العفو عن ذنوب عباده ابتداء وتفضلا وهو المالك فان عفى فبفضله وأن أخذ فبعد له ولا يجب القيام بالوعيد وأعماله في كل مورد وله تعالى العفو عن عباده المذنبين أيضا بالأسباب التي جعلها طريقا الى عفوه ووصلة الى غفرانه مثل التوبة والشفاعة وغيرها من الأسباب التي ذكرها في الكتاب الكريم قال تعالى (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (هود ١١٤) قال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) النساء ـ ٢١ وغيرها من الآيات فله تعالى أن يتوصل بكل واحدة من هذه الأسباب وله تعالى أعمال