بقبلة ما سواها وكان متمايلا إلى الكعبة محبا لها قلت : قد استشكل ذلك وتكلم الرازي في تفسيره وأطنب القول فيه وفي معنى تقلب وجهه. وقد عرفت معنى تقلب وجهه (ص) في السماء واما عدم رضائه (ص) بقبلة بيت المقدس فليس امرا مستنكرا حتى يستوحش منه وقد سئل رسول الله في التخفيف عن أمته في موارد شتى قال تعالى (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.) الآية البقرة وقد استجاب الله دعوته وخفف على أمته ورفع عنهم. وفي بعض الروايات ان هذا كان من دعائه ليلة المعراج وأعلن استجابة دعائه بقوله (ص) رفع عن أمتي تسعة الخطأ الحديث فليس في هذا استكشاف واستعجاب بان حكما من أحكامه تعالى وقضاء من قضائه الجارية تكوينا أو تشريعا أن يسأل ولي من أوليائه سبحانه تحويله ورفعه وتبديله بحكم آخر وقضاء جديد يكون فيه فرجه وعافيته وقد ابتلى رسول الله بمردة اليهود وتعييرهم وإيذائهم وأصيب بتعرضهم إياه وللمؤمنين وقد صاروا فتنة عليهم ومحنة عليه (ص).
ومن العجيب ما ذكره الرازي عن بعضهم انه استأذن جبرائيل في ان يدعو الله تعالى بذلك فأخبره جبرائيل ان الله قد اذن له في هذا الدعاء لأن الأنبياء لا يسألون الله شيئا إلا بإذن منه لئلا يسألوا ما لإصلاح فيه فلا يجابوا حتى لا يقضي ذلك الى تحقير شأنهم فلما اذن الله تعالى في الدعاء علم انه يستجاب فكان تقلب وجهه في السماء ينتظر مجيء جبرائيل (ع) بالوحي في الإجابة انتهى. وليت شعري كيف تدل الآية على انه استأذن جبرائيل وكيف تدل على ان تقلب وجهه الى السماء كان بعد المشاورة والتباني مع جبرائيل حتى ينتظر جبرائيل. وما الدليل على ان الأنبياء لا يدعون الا بعد اذن خاص من رد دعائهم وقد قضى الله سبحانه وحكم على جميع عباده ان يدعوه لحوائجهم ويفزعوا إليه في آمالهم والدعاء عبادة ذاتية ، ولأوليائه تعالى وأحبائه فيه قدم راسخ ومقام مكين ولكل باب مسألة الى الله منهم يد قارعة يدعون ربهم تضرعا وخيفة ورغبة ورهبة. فلا تصغ الى ما قيل أو ما يقال فقوله تعالى : (تَرْضاها) صريح انه (ص) يرضى قبلة سيجعل الله قبلة ويكره ما سواها فإنه (ص) من أفضل أوعية المشيئة لله سبحانه فلا يشاء الا ما شاء الله ولا يرضى الا ما يرضى الله فقد رضي الله بهذه القبلة ويرضاها الرسول من أجل رضائه تعالى بها.
في البرهان عن تفسير الامام (ع) قال وجعل قوم من مردة اليهود يقولون والله ما يدري محمد (ص) كيف صلى حتى صار يتوجه الى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا فاشتد ذلك على رسول الله (ص) ما اتصل عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرائيل فقال له رسول الله يا جبرائيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم فقال جبرائيل