في العزائم لها قرائن خاصة لإيجاب السجدة بعينها على الفور بخلاف المقام لمقارنة الركوع بالسجود فلا يمكن انطباق الآية على سجدة التلاوة فلا محالة يكون المراد من الركوع والسجود الواجبين هو الواجب في الصلاة بالبيان الذي تقدم في القراءة اي أن الركوع الواجب مع السجدة الواجبة لا يوجد لها مصداق إلا في الصلاة. ففي القلائد قال : روى الشيخ في الموثق عن سماعة قال : سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن قال نعم قول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فقلت كيف حد الركوع والسجود فقال اماما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثا ومن كان يقوى أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع يكون في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع فإن أقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد.
وفيه أيضا عن الكافي عن أبي عمر الزبيري عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل ـ الى ان قال ـ ان الله فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها وفرقه فيها وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين. الحديث.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أن المراد في الآية الكريمة هو الركوع والسجود الواجبين في الصلاة وعلى نحو الإجمال وتفصيل الركوع والسجود وشرائطهما فموكول الى بيان آخر من الكتاب والسنة وهذه سنة القرآن في بيان الحقائق والأحكام فلا يستغني المفسر والفقيه بحسب الغالب في تفسير الآية من القرآن عن غيرها من الآيات والسنن من حيث تقييد مطلقاتها وتخصيص عموماتها.
قوله تعالى (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ.) الآية العبادة في اللغة بمعنى التذلل والإطاعة والانقياد ومقابلة الاستكبار فإتيان جميع الواجبات وامتثالها وكذا ترك جميع المحرمات إذا كان لله فهو عبادة لله فالناس أما عبدة الرحمن أو عبدة الشيطان قال (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ.) الآية فتعين ان العبادة معنى عام شامل لطاعة جميع الفرائض العقلية والشرعية مثل الايمان بالله ورسله وبما جاءوا به والالتزام والإتيان بما أمروا وكذا ترك جميع المحرمات وكذا ترك الكفر والفسوق والعصيان فمرتبة العبادة مرتبة الامتثال للواجبات وترك المحرمات.
وقد فسر العبادة في الآية بأنها الحج والصوم وفسرها بعضهم وقال (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) بفعل ما تعبدكم به من العبادات انتهى. أقول : الوجه ما ذكرنا وليعلم ان الأمر أمر إرشادي لا مولوي تعبدي.