بالمعنى الذي ذكرناه بالضرورة ومعنى كون بعض من الناس وليا له تعالى ان يوالوه ويحبوه وينصروا دينه وينصروا من يواليه فكم فرق بين ولايته تعالى على الناس وولاية بعض من المؤمنين الكاملين له سبحانه فالمذكور في هذه الآية هي الولاية بالمعنى الأول الذي ذكرنا فاحتفظ بهذا فان كثيرا من الباحثين قد خلطوا بين المعنيين. فلا ينافي ما ذكرنا ولايته لأوليائه بمعنى الناصر والمحب كما هو كذلك بين المؤمنين فإن المؤمنين أيضا أولياء بعض انما الكلام في اختصاص الولاية بالمعنى الأول لله تعالى ـ إذا تقرر ذلك فنقول ان المراد بحسب الظاهر في الآية وبقرينة الحصر المذكور فيها هي الولاية الحق الخاص لله سبحانه فتلخص ان الله سبحانه هو الولي الحميد على الخلق بالحق فلا يجوز لأحد ان يتخذ ويعتقد وليا من دون الله وبغير ادنه ويوم تظهر هذه الولاية بأكمل مظاهرها وتتجلى بأتم مجاليها وصارت المعارف ضرورية حين (يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ف (عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ). ويتبين هنالك أن الولاية لله الحق.
ثم انه تعالى لمكان مالكيته على الأمر والنهي له تعالى أن يأذن لأحد من أوليائه ويملكه سلطة الأمر والنهي والقبض والبسط في الأمور والتصرف في شئون الاجتماع قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (النساء ٦٤) فقد أكرم الله سبحانه رسوله وأعطاه حق التصرف في الخلق وتقلد أمور الناس وإياك ان تتوهم ان هذه الولاية تنافي ولايته تعالى لمكان توارد الولايتين على مورد واحد فإن ولاية الرسول قد تتحقق بعطائه وتمليكه فلا محالة يقع في طول ولايته تعالى لا في عرضه قال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (النساء ٨٠) وكل ما بالعرض ينتهي الى ما بالذات فله (ص) الولاية والتصرف في شأن المجتمع على حسب الحدود والمقدار الذي أعطاه تعالى وكذلك الذين آمنوا بالنعت المذكور في الآية فهؤلاء أيضا لهم الولاية المذكورة في صدر الآية لمكان وحدة السياق ويستحيل ان تكون الولاية بهذا المعنى مشتركا بين المؤمنين أجمعين فإن القول بالاشتراك إلغاء الولاية بهذا المعنى فلا يكون هنا ولي ولا المولى عليه.
فاتضح من جميع ما ذكرنا انه لا بد من تقلد أمر الناس والتصرف في شئونهم من عطائه تعالى واذنه فلا يجوز ولا يصح وثوب أحد من عند نفسه وتقلده على رقاب الناس وقبضه أمر الناس من دون عطائه سبحانه.
وأما شأن النزول فلم يختلف أحد بحسب الروايات الواردة المتكاثرة من طرق الفريقين ان الآية نزلت في علي (ع) وادعى الرازي بعد إقراره ان الروايات اتفقت انها في شأن علي (ع) انها في شأن أبي بكر أقول : إذا أثبت انها في شأن علي (ع) فلا يجوز إخراج مورد النزول عن مفاد الآية وأما البحث على اختصاصها به وبآلة الأئمة الطاهرين ودفع الشبهات والمغالطات التي أوردها الرازي في تفسير الآية